المسيح هو طوق النجاة الوحيد فى بحر الحياة المضطرب
الصليب في في الانجيل والقرآن

الصليب في في الانجيل والقرآن

هذا الموضوع يثير جدليّة الإسلام، كما لم يثرها أيّ موضوع آخر. فمع أنّ القرآن يقول بوفاة المسيح قبل ارتفاعه إلى السماء، فإنّ علماء الإسلام اختلفوا في تفسير كلمة «متوفّيك» التي وردت في سورة آل عمران ٥٥
ففريق منهم يقول إنّ الوفاة هنا لا تعني الموت، بينما فريق آخر يقرّ بأنّ المسيح مات فعلاً. ولهم في ذلك روايات شتّى، يوردونها بالإسناد عن علماء معتَبَرين. وقد رأيتُ أنّه من المفيد إيراد بعضها نقلاً عن مفسّرين أعلام، كالطبري والرازي والزمخشري وغيرهم:
  1. النوم: عن المثنّى، قال حدّثني إسحاق، عن عبد الله بن جعفر عن الربيع، في قوله «إنّي متوفّيك» قال وفاة النوم رفعه الله في منامه.
  2. الاستيفاء: عن علي بن سهيل، عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق في القول «إنّي متوفّيك» قال متوفّيك من الدنيا وليس بوفاة موت.
  3. القبض: عن يونس، قال أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد في قوله «إنّي متوفّيك» قابضك… ولم يمت بعد حتّى يَقتُل الدجّال وسيموت.
  4. المقدّم الذي معناه التأخير: قال أبو جعفر الطبري بالإستناد على حديث متواتر عن محمّد، أنّه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجّال ثمّ يمكث في الأرض مدّة، ذكرها واختلفتِ الرواية في مبلغها – ثمّ يموت فيصلّي عليه المسلمون.
أمّا الفريق الذي يقرّ بأنّ الوفاة هي الموت، فلهم عدّة روايات متباينة منها:
١ – عن المثنّى، قال حدّثَنا عبد الله بن صالح، عن معاوية، عن علي، عن ابن عبّاس، قوله «إنّي متوفّيك» أي مميتك.
٢ – عن ابن حميد، قال حدّثَنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبّه أنّه قال توفّى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات حتّى رفعه (جامع البيان ٣: ٢٨٩ – ٢٩٢).
أمّا شرح الإمام الرازي فنقتبس منه الشهادات التالية:
قال هذا العالِم في تفسير الآية: «إذ قال الله يا عيسى إنّي متوفّيك ورافعك إليّ!»، اعترفوا بأنّ الله: شرّف عيسى في هذه الآية بصفات:
الصفة الأولى: إنّي متوفّيك ونظيره قوله تعالى، حكاية عنه «فلمّا توفّيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم». واختلف أهل التأويل في هاتين الآيتين على طريقين (أحدهما) إجراء الآية على ظاهرها من غير تقديم ولا تأخير.
الصفة الثانية: فرض التقديم والتأخير فيها. أمّا الطريق الأول فبيانه من وجوه:
الوجه الأول: معنى قوله «متوفّيك» أي متمِّم عمرك، فحينئذٍ أتوفّاك. فلا أتركهم حتّى يقتلوك، بل أنا رافعك إلى سمائي، ومقرّبك لملائكتي، وأصونك عن أن يتمكّنوا من قتلك.
الوجه الثاني: «متوفّيك» أي مميتك. وهو مروي عن ابن العبّاس، وحمد بن إسحاق. قالوا والمقصود، أن لا يصل أعداؤه من اليهود إلى قتله. ثمّ أنّه بعد ذلك، أكرمه بِأن رفعه إلى السماء، ثمّ اختلفوا على ثلاثة أوجه:
أوّلاً: قال وهب: توفّي ثلاث ساعات ثمّ رُفِع.
ثانياً: قال محمّد بن إسحاق: توفّي سبع ساعات ثمّ أحياه الله ورفعه.
ثالثاً: قال الربيع بن أنس: أنّه تعالى توفّاه حين رفعه إلى السماء. قال تعالى «الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها» (التفسير الكبير ٨: ٦٧).
فنظراً لتضارب الآراء عند فقهاء المسلمين واختلافهم في تفسير آي القرآن عن آخرة المسيح لا يستطيع الباحث المخلص إلاّ أن يتّجه إلى نصوص الإنجيل التي لا تحتاج إلى تأويل. لأنّ لا تناقض فيها بخصوص موت المسيح وقيامته وصعوده.
تحميل الكتاب