المسيح هو طوق النجاة الوحيد فى بحر الحياة المضطرب
القيامة: خدعة أم حقيقة؟

القيامة: خدعة أم حقيقة؟

ثقتي في السيد المسيح .بقلم جوش مكدويل

الفصل السادس

القيامة: خدعة أم حقيقة؟

في هذا الفصل نعرض الحقائق الآتية:

أولاً – أهمية القيامة

ثانياً – إعلان المسيح أنه سيقوم من الموت

ثالثاً – معالجة تاريخية:

1 – القيامة حادثة تاريخية

2 – شهادة التاريخ والقانون

3 – شهادة آباء الكنيسة الأولين

رابعاً – مشاهد حول حادثة القيامة:

1 – المسيح مات

2 – القبر

3 – الدفن

4 – الحجر

5 – الختم

6 – الحراس

7 – التلاميذ الهاربون

خامساً – مشاهد بعد حادثة القيامة:

1 – القبر الفارغ

2 – الأكفان

3 – وضع الحجر

4 – الختم

5 – الحرس الروماني

6 – ظهورات المسيح

7 – صمت الأعداء

سادساً – حقائق ثابتة عن القيامة:

1 – حقائق تاريخية ثابتة

2 – حقائق نفسية ثابتة

3 – حقائق اجتماعية ثابتة

سابعاً – نظريات فاسدة ضد القيامة:

1 – نظرية الإغماء

2 – نظرية السرقة

3 – نظرية الهلوسة

4 – نظرية الخطأ في القبر

ثامناً الخاتمة.

بالحقيقة قام!

مقدمة

وصلتُ بعد دراسة متعمقة إلى أن حقيقة قيامة المسيح قد تكون أردأ خدعة دُسَّت على عقول البشر، أو أنها أروع حقائق التاريخ.

وللمسيح ثلاث مميزات تشهد له:

1 – تأثير حياته على التاريخ.

2 – تحقيق النبوات القديمة فيه.

3 – قيامته. والمسيحية والقيامة تقومان معاً أو تسقطان معاً.

تعالوا نقرأ القصة كما أوردها البشير متى:

وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ. وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لِأَنَّ مَلَاكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَا لْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَا لثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ. فَقَالَ الْمَلَاكُ لِلْمَرْأَتَيْنِ: لَا تَخَافَا أَنْتُمَا، فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ ه هُنَا، لِأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ. هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ. وَاذْهَبَا سَرِيعاً قُولَا لِتَلَامِيذِهِ إِنَّهُ قَدْ قَامَ مِنَ الْأَمْوَاتِ. هَا هُوَ يَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ. هَا أَنَا قَدْ قُلْتُ لَكُمَا . فَخَرَجَتَا سَرِيعاً مِنَ الْقَبْرِ بِخَوْفٍ وَفَرَحٍ عَظِيمٍ، رَاكِضَتَيْنِ لِتُخْبِرَا تَلَامِيذَهُ. وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلَامِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لَاقَاهُمَا وَقَالَ: سَلَامٌ لَكُمَا . فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ. فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: لَا تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولَا لِإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الْجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي .

وَفِيمَا هُمَا ذَاهِبَتَانِ إِذَا قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ (متى 28: 1 – 11).

أولاً – أهمية القيامة

تقوم كل ديانات العالم العظمى على افتراضات فلسفية، ما عدا أربع منها، تعتمد على شخصيات أكثر مما تعتمد على الفلسفات. والمسيحية وحدها هي التي تنادي بأن قبر مؤسسها فارغ. إبراهيم أب اليهودية – مات منذ نحو 1900 ق. م دون أن يدَّعي أحد أنه قام.

وفي الكتابات الأولى القديمة عن بوذا نقرأ عن موته، ثم التعليق بأنه بهذا الموت لا يبقى بعده شيء بالمرة .

ولقد مات نبي الإسلام في الثامن من يونيو 632 م بالمدينة في الحادية والستين من عمره، ويزور قبره اليوم ملايين المسلمين. وكل هذه الملايين من أتباع اليهودية أو البوذية أو الإسلام يقرون بأن مؤسسي دياناتهم قد ماتوا، ولم يقم أحد منهم من تراب الأرض.

وتقوم المسيحية على حقيقة قيامة المسيح، فقد قال هو إنه ذاهب لأورشليم ليُصلب وفي اليوم الثالث يقوم. ولو أن القيامة باطلة لكانت المسيحية كلها باطلة، ولو أنها صحيحة لوجب أن نصدق كل ما قاله المسيح.

وتوضح القيامة أن المسيح هو فعلاً ابن اللّه لأنه أولاً قام من الموت بقوته الشخصية. كان له السلطان أن يبذل نفسه للموت، وله السلطان أن يأخذها أيضاً (يوحنا 10: 18). ولا تناقض هنا بين القول إن الآب أقامه أو أنه أقام نفسه، فإن الابن قادر أن يفعل كل ما يفعله الآب، كما يُعزى الخَلْق وغيره من الأعمال إلى الآب وإلى الابن وإلى الروح القدس.

ثانياً إن المسيح قد أعلن أنه ابن اللّه، وقيامته تصديق من الآب على صدق ما أعلنه المسيح. فلو أن المسيح بقي في قبره، رغم إعلانه أنه سيقوم، لكان هذا يعني أن اللّه لم يوافق على ذلك الإعلان بأنه ابن اللّه. أما وقد أقامه من الموت، فهذا معناه أن اللّه يقول: أنت ابني، وإنني اليوم أعلن هذه الحقيقة على الملأ.

ولقد بنى بطرس موعظته، يوم الخمسين، على حقيقة القيامة، حتى أنه لو انتفت القيامة لسقطت العقيدة المسيحية كلها. ويوضح بطرس أن القيامة: (1) توضيح لموت المسيح. (2) تحقيق للنبوات عن المسيا المخلِّص الآتي. (3) شهد بها الرسل جميعاً. (4) سرّ انسكاب الروح القدس. (5) شهادة على مكانة يسوع الناصري كالمسيح الملك. وهكذا نرى أن كل ما قاله بطرس عن المسيح يعتمد ويقوم على حقيقة القيامة، فبناء الموعظة المسيحية الأولى مؤسس على القيامة.

ويقول أدولف هارناك، أحد منكري قيامة المسيح: نَبَعت ثقة التلاميذ الوطيدة في المسيح من إيمانهم بأنه لم يبق في القبر، ولكن اللّه أقامه. ولقد رأوا بأنفسهم أنه قام يقيناً، كما رأوا أنه مات يقيناً، فأصبحت القيامة هي الموضوع الرئيسي لكرازتهم (10).

ولقد أثَّرت حقيقة القيامة على حياة المسيحيين الأولين. فتراها متغلغلة في كل العهد الجديد، ومرسومة على القبور في سراديب روما (الكاتاكومبز) وملحَّنة في الترانيم القديمة، ومأخوذة كأساس لكل كتابات الدفاع عن المسيحية في القرون الأربعة الأولى، وكمركز لكل عظات الآباء قبل مجمع نيقية وبعده، وكعقيدة راسخة في كل قوانين الإيمان. لقد كان مركز الفكر المسيحي يسوع والقيامة ، فإن الإيمان بالقيامة نسيج كيان الكنيسة، ومن أجمل ما قيل: صار قبر المسيح الفارغ مهد الكنيسة .

ويقول سبارو سمبسون: لو لم يكن المسيح قد قام لبقيت شوكة الموت المؤلمة ومعها كل نتائج الخطية، ولبقي المؤمنون بالمسيح بَعْدُ في خطاياهم كما كانوا قبل سماعهم باسم يسوع! وفوق هذا كله لصار المسيح كاذباً، فإنه قدَّم أوراق اعتماده كمخلّص للعالم على أنه المخلص الحي المقام .

وقد دار الهجوم كله ضد المسيحية حول القيامة، لأن المسيحيين جعلوها أساس إيمانهم، التي بدونها لا يكون لإيمانهم أساس!

والمسيحية ديانة تاريخية، تعلن أن اللّه عمل في تاريخ البشر، وعلى هذا فإن صدق القيامة تاريخياً دليل قوي على صدق المسيحية!

ولقد قامت القيامة كقلعة للإيمان المسيحي، قلبت العالم كله في القرن الأول الميلادي،ورفعت المسيحية فوق اليهودية، وفوق كل ديانات حوض البحر الأبيض المتوسط. وما أصدق القول: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ! (1 كورنثوس 15: 17).

ثانياً: إعلان المسيح أنه سيقوم من الموت

راجع الشواهد التالية:

متى 12: 38 – 40 ، 16: 21 ، 17: 9 ، 17: 22 ، 23 ، 20: 18 و19 ، 26: 32 ، 27: 63.

مرقس 8: 31 – 9: 1 ، 9: 10 و 31 ، 10: 32 – 34 ، 14: 28 و58.

لوقا 9: 22 – 27.

يوحنا 2: 18 – 22 ، 12: 34 ، أصحاحات 14: 16.

فنقرأ في:

متى 16: 21 مِنْ ذ لِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلَامِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ .

متى 17: 9 وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: لَا تُعْلِمُوا أَحَداً بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَمْوَاتِ .

متى 17: 22 و 23 وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: ابْنُ الْإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ . فَحَزِنُوا جِدّاً .

متى 20: 18 ، 19 هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الْإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِا لْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الْأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ .

متى 26: 32 وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ .

مرقس 9: 10 فَحَفِظُوا الْكَلِمَةَ لِأَنْفُسِهِمْ يَتَسَاءَلُونَ: مَا هُوَ الْقِيَامُ مِنَ الْأَمْوَاتِ؟ .

لوقا 9: 22 – 27 يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الْإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيراً، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ . وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهذَا يُخَلِّصُهَا. لِأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الْإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَأَهْلَكَ نَفْسَهُ أَوْ خَسِرَهَا؟ لِأَنَّ مَنِ استَحَى بِي وَبِكَلَامِي، فَبِهذَا يَسْتَحِي ابْنُ الْإِنْسَانِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِهِ وَمَجْدِ الْآبِ وَالْمَلَائِكَةِ الْقِدِّيسِينَ. حَقّاً أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ه هُنَا قَوْماً لَا يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللّهِ .

يوحنا 2: 18 – 22 أَجَابَ يَسُوعُ: انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ . فَقَالَ الْيَهُودُ: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟ وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الْأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلَامِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هذَا، فَآمَنُوا بِا لْكِتَابِ وَالْكَلَامِ الّذِي قَالَهُ يَسُوعُ .

واضح من هذا كله أن المسيح تنبأ بقيامته، وأن تلاميذه لم يفهموا قصده، لكن اليهود أخذوا كلامه مأخذ الجدّ. وعندما يقول شخص إنه سيموت ثم يقوم بعد ثلاثة أيام. فإننا نحكم عليه بأنه مختلّ العقل ومحتاج إلى علاج نفسي. وما لم يتحقق ما قاله فعلاً فإن ذلك يكون وبالاً عليه وعلى تابعيه. ولم يحدث أن مؤسس دين من الأديان قال مثل ما قاله يسوع عن نفسه من جهة قيامته.

منذ بضع سنوات حاول محام بريطاني غير مؤمن أن يبرهن خطأ القيامة، وبعد درس مضنٍ واطّلاع واسع وصل فرنك موريسون إلى أن القيامة صحيحة، فكتب كتاباً بعنوان من دحرج الحجر؟ (مترجم إلى العربية وصادر عن نداء الرجاء) قال فيه إن الذي يتنبأ بموته وقيامته بمثل هذه الدقة لا بد أن يكون صادقاً!

ونلاحظ أن يسوع لم يتحدث عن موته إلا وذكر أنه سيقوم. وبولس في مطلع رسالته إلى رومية يقول إن المسيح تعيَّن ابن اللّه بقوة بالقيامة من الأموات.

ثالثاً: معالجة تاريخية

1 – القيامة حادثة تاريخية:

قيامة المسيح حادثة تاريخية محددة، حدثت في زمن معيَّن وفي مكان محدَّد. صحيح أن لها معنى لاهوتياً ولكنها حقيقة تاريخية. صحيح أنها غير طبيعية، لكن الواضح أن قبر المسيح وُجد فارغاً.

كان القبر مملوكاً لرجل غني عاش في النصف الأول من القرن الأول الميلادي، وكان محفوراً في صخر أحد التلال القريبة من أورشليم، فلم يكن شيئاً وهمياً. وكان الحراس جنوداً من لحم ودم أحاطوا بالقبر. ومجلس السنهدريم الذي انعقد ليبحث مشكلة القبر الفارغ مجلس معروف. ويسوع شخص تاريخي، وتلاميذه أشخاص حقيقيون، أكلوا وشربوا وناموا وتألموا. هذه كلها ليست أوهاماً ولكنها حقائق ثابتة.

ويقول أغناطيوس، أسقف أنطاكية (50 – 115 م) وتلميذ الرسول يوحنا، وهو مواطن سوري، في رسالة كتبها وهو في الطريق إلى روما ليلقَى حتفه في أفواه الأسود كشهيد مسيحي: صُلب المسيح في حكم بيلاطس البنطي، ومات فعلاً تحت بصر السماء والأرض وما تحت الأرض. وقام في اليوم الثالث. حُكم عليه في الساعة الثالثة (أي 9 صباحاً) من يوم الاستعداد ونُفِّذ الحكم في الساعة السادسة، وفي الساعة التاسعة أسلم الروح، ودُفن قبل غروب الشمس، وبقي يوم السبت في قبر يوسف الرامي.

لقد حُمل به في البطن كما يحدث لنا، ووُلد كما نولد نحن، وتغذّى باللبن، وأكل وشرب فعلاً وحقاً كما نفعل نحن. وبعد أن عاش وسط الناس ثلاثين سنة، عمَّده يوحنا المعمدان فعلاً وليس خيالاً. وبعد أن بشر بالرسالة المفرحة ثلاث سنوات وعمل معجزات وعجائب – ومع أنه الديَّان – أدانه اليهود زوراً وحكم عليه بيلاطس ظلماً، وجُلد وضُرب على خده وتُفل عليه ولبس تاجاً من شوك وثوباً أرجوانياً، وصُلب فعلاً، لا بالخيال ولا بالمظهر ولا بالخداع، لقد مات حقاً ودُفن وقام من بين الأموات .

ويقول المؤرخ ألفرد إدرشايم في كتابه حياة يسوع المسيح وزمانه :

كاد يوم الربيع القصير أن يصل إلى مساء السبت . وكان أمر الشريعة أن لا يبقى جسد المجرم معلقاً لصباح اليوم التالي. وربما تغاضى اليهود عن أن يطلبوا من بيلاطس تقصير آلام المصلوبين، لأن الموت بالصليب كان يستغرق أحياناً أياماً. ولكنهم طالبوا بيلاطس بإنزال جسد المسيح قبل السبت، لأنه كان يوم سبت، وثاني أيام عيد الفصح .

وقال جستن الشهيد (100 – 165 م) الفيلسوف والشهيد والمدافع عن المسيحية بعد أن درس الرواقية وفلسفة أرسطو وفيثاغورس وأفلاطون قال: وجدت فلسفة المسيح وَحْدها أمينة ونافعة. وقد اكتشفتُ أن فلسفات العالم تقدّم مجرد افتراضات عقلية، أما المسيحية فهي التي تقدم اللّه نفسه فعّالاً في الزمن والمكان بواسطة المسيح وهو يقول: وُلد المسيح منذ 150 سنة تحت حكم كيرنيوس… في زمن بيلاطس البنطي .

ويقول ترتليان أسقف قرطجنة (160 – 220 م) تضايق قادة اليهود من تعاليمه لأن الشعب انحاز إليه، فجرُّوه أمام بيلاطس البنطي، والي سوريا الروماني، وبصراخهم استصدروا عليه حكم الموت صلباً .

وكتب المؤرخ اليهودي يوسيفوس في القرن الأول الميلادي: وفي نحو ذلك الوقت عاش رجل حكيم اسمه يسوع – إن كان يحقّ أن تدعوه إنساناً، لأنه عمل معجزات عظيمة. كان معلماً مقتدراً تلقَّى الناس تعاليمه بفرح، فجذب إليه الكثيرين من اليهود واليونانيين. هذا الرجل كان المسيح. حكم بيلاطس عليه بالصلب، بناءً على اتهام الرجل الكبير فينا، أما الذين أحبوه منذ البدء فلم يتركوه، لأنه ظهر لهم حياً في اليوم الثالث. ولقد سبق أن تحدث عنه الأنبياء القديسون بهذه الأمور وبآلاف الأشياء العجيبة. وحتى اليوم لا زال يوجد أتباعه المسيحيون .

ولقد حاول البعض أن يبرهنوا أن هذه الكتابة مدسوسة على يوسيفوس، لكننا نرى أن المؤرخ يوسابيوس اقتبسها عن يوسيفوس في القرن الرابع الميلادي، ويوسيفوس قد كتب لإرضاء الرومان، ولم يكن ممكناً أن يكتب ذلك – وهو ما لا يرضيهم – لو لم يكن ذلك هو الحق الثابت.

ويورد العهد الجديد لنا قصة التغيير العجيب الذي طرأ على حياة تلاميذ المسيح. فأولئك الخائفون صاروا شجعاناً لأنهم عرفوا أن يسوع حي. ويقول لوقا إن المسيح أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة (أعمال 1: 3). وكلمة أراهم تعني الدليل الملموس القوي، فقد آمن الرسل بالقيامة بعد أن رأوا ولمسوا بحواسهم، ونقلوا شهادتهم لنا. وعلى هذا فالقيامة قصة تاريخية صادقة – بكل المقاييس – وهي حافز قوي على الإيمان بالمسيح مخلّصنا.

وقد جمع لوقا سفر الأعمال ما بين عام 63 و 70 م، ويوضح في مقدمة إنجيله أنه جمع معلوماته من مصادر موثوق بها لأنهم شهود عيان، وتابع تقديم ما وصل إليه في سفر الأعمال. وكثيراً ما يقول نحن مما يدل على أنه قد كتب هو ما رآه شخصياً. لقد عاش لوقا وسط الأحداث والكرازة فهو من شهود العيان الأولين. وقبلت الكنيسة الأولى سفر أعمال الرسل، ولا بد أنها كانت تعرف تاريخها تماماً، وقبول الكنيسة منذ البداية لهذا السفر دليل على صحة ما جاء به من معلومات تاريخية.

ورسائل العهد الجديد دليل تاريخي – لا يُدحض – على صحة القيامة، فقد كتب بولس رسائله إلى غلاطية وكورنثوس ورومية في أثناء رحلاته التبشيرية، ويرجع تاريخها إلى 55 – 58 م، وهذا تاريخ قريب من حادثة القيامة (بعدها بفترة لا تتجاوز خمسة وعشرين عاماً فقط). ولما كان ما كتبه في الرسالة هو نفسه الذي سبق فكرز لهم به، فإن تاريخ الكرازة أكثر قُرباً لحادثة القيامة.

والذي يقرأ قصة الأناجيل عن الصلب والقيامة يرى التوسع الكامل في الرواية، فالكاتب يعطي تفاصيل دقيقة، ويوضّح أن القيامة تنفيذ لخطّة اللّه السابقة لحياة المسيح، وتكملة طبيعية للحياة فوق الطبيعية التي عاشها المسيح ابن اللّه وابن الإنسان.

القيامة إذاً حادثة تاريخية، والبرهان الذي نسوقه على صحتها برهان تاريخي. ولقد جعلت الكنيسة الأولى شروطاً لمن يُعتبر رسولاً، أولها أن يكون قد شاهد القيامة (أعمال 1: 22). وقال بولس في عظته لأهل أثينا إن جوهر تعليمه هو يسوع والقيامة (أعمال 17: 18). وهكذا قال بطرس في عظته: يَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللّ هُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذ لِكَ (أعمال 2: 32).

ولقد قوِيَ إيمان الرسل بالمسيح بعد أن قام، ومنحتهم قيامته شجاعة وعزماً وجعلتهم يحتملون كل اضطهاد.

2 – شهادة التاريخ والقانون:

عندما تحدث حادثة ويراها عدد كبير من الأحياء، أو يشترك فيها عدد كبير منهم، ثم يُسجَّل في كتاب يُنشر دون أن يعترض هؤلاء على ما جاء به، فإن ذلك دليل لا يُدحَض على صحة الحادثة. ويسمى هذا البرهان من الظروف . وفي قصة الأناجيل نرى الكتَّاب الأربعة يعتبرون حادثة القيامة أهم حوادث حياة المسيح، التي يعتمد عليها كل الإيمان. ويورد كتَّاب الأناجيل، كما يورد بولس، أسماء الذين رأوا المسيح بعد قيامته. ويمكن القول إن البرهان على صدق القيامة أقوى من أي برهان على أي معجزة أخرى، بل أن بولس يقول: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ (1 كورنثوس 15: 14).

ولعل أكبر دليل على صدق العهد الجديد أنه كُتب بعد حادثة القيامة بنحو ثلاثين أو أربعين سنة ليقرأه أناس عاصروا الحوادث المسجَّلة فيه واشتركوا فيها، فلا بد أن تكون الرواية صحيحة، خصوصاً وأن عدد الأعداء كان كبيراً! ولنفترض أن مؤرخاً أراد تسجيل حياة ملك بعد وفاته بأربعين سنة أو أقل، هل يجرؤ أن يذكر أكاذيب؟ إن معاصري ذلك الملك سيُعلنون احتجاجهم. ويقول أمروز فلمنج: لم تتأسس المسيحية إذاً على أساطير أو خيالات، أو كما يقول بطرس، على خرافات مُصنَّعة ، لكنها تأسست على حقائق تاريخية، قد تبدو غريبة، لكنها صادقة، وهي أعظم ما حدث في تاريخ العالم .

ولقد حاول المحامي البريطاني فرنك موريسون أن يكتب كتاباً ضد القيامة، يحلّل فيه أحداث الأيام الأخيرة من حياة المسيح على الأرض. ولكنه عندما درس الحقائق بكل دقة اضطر أن يغيّر رأيه، وكتب كتابه في صفّ القيامة، وجعل عنوان الفصل الأول منه الكتاب الذي رفض أن يُكتب . أما عنوان الكتاب فهو من دحرج الحجر؟ ، وهو كتاب من أروع وأدق ما كُتب.

وقد كتب أحد المحامين لقسيس صديق له يقول: كمحامٍ درستُ بالتفصيل براهين حوادث القيامة، ووجدت البراهين قاطعة. وقد كسبت أحكاماً من المحكمة العليا في قضايا ببراهين أقل من البراهين التي وجدتها في قصة القيامة. إن الاستنتاج يتبع البرهان، والشاهد الصادق لا يزّوق الحقائق، ويزدري كل محاولة للتأثير. والبراهين على صدق القيامة من هذا النوع، وإنني كمحام أوافق – بدون أي تحفظ – على صدق القيامة من شهادة الشهود الصادقين (2).

وقال توماس أرنولد أستاذ التاريخ الحديث في أكسفورد: إن الآلاف المؤلَّفة من العلماء درسوا قصة القيامة بطريقة نقدية، وأنا واحد منهم. لقد اعتدْتُ دراسة التاريخ وتحليل حوادثه، والحكم على المؤرخين وبراهينهم. ولم أجد قصة أقوى برهاناً من قصة القيامة، فإنها تُقنع كل باحث مخلص عن الحق (3).

وقال اللورد لندهرست، وهو أكبر العقول القانونية التي أنجبتها بريطانيا، وبلغ أعلى المراتب القضائية فيها: إنني أعرف جيداً ما هو الدليل أو البرهان، وإنني أقول إن برهان قصة القيامة غير قابل للنقض (3).

من أشهر أساتذة القانون: سيمون جرينليف (1783 – 1853 م) من جامعة هارفارد. وقد كتب كتاباً عنوانه: فحص لشهادة البشيرين الأربعة حسب قوانين محاكم العدل قال فيه:

أعلن الرسل الحقائق العظيمة عن قيامة المسيح من الأموات، وأن رجاء الخلاص هو بالتوبة عن الخطية والإيمان به. وقد أعلن الرسل، بلسان واحد، هذا الإعلان وحده في كل مكان، في مواجهة المفشِّلات والفساد الأخلاقي والفكري. كان معلّمهم قد مات كمجرم صدر عليه حكم الإعدام. ولكنهم كانوا ينشدون نشر عقيدتهم لتحل محل كل العقائد الأخرى. كانت قوانين كل الدول ضد تعاليمهم، وكانت رغبات الحكّام وعواطفهم ضدهم، وكانت اتّجاهات الناس ضدهم، لكنهم حاولوا نَشْر عقائدهم باللطف والسلام، فواجهوا الاحتقار والكراهية والمقاومة والاضطهاد المرّ والجَلْد والسَّجن والتعذيب والموت بأساليب فظيعة. غير أنهم نشروا دينهم بكل غيرة، واحتملوا العذاب كلَّه بسرور. ومات الواحد منهم بعد الآخر، لكن الباقين أكملوا الرسالة في حماسة وعزم متزايدين، في بطولة تفوق كل بطولة عرفها العالم. لقد كانت أمامهم فرصة مراجعة إيمانهم وفحص الأدلة على صدقه، وكان من المستحيل أن يثبتوا على عقيدتهم لولا ثقتهم في صحتها المطلقة، وتأكدهم أن المسيح قد قام فعلاً من الأموات، وأن هذه هي الحقيقة اليقينية مثل أي حقيقة أخرى أكيدة. ولو أن أحداً خدعهم حتى صدقوا القيامة، فقد كانت تحيط بهم عوامل كثيرة تدفعهم ليُعيدوا التفكير ويكتشفوا الخديعة. ولم يكن ممكناً أن يستمروا في تصديق أكذوبة تعرِّضهم للاضطهاد القاسي من الخارج، والإحساس بالذنب من الداخل، بلا رجاء في السلام، ولا راحة للضمير، ولا انتظاراً لكرامة أو تقدير بين الناس، وبالجملة بلا رجاء في هذا العالم، ولا في العالم الآتي.

إن الدراسة تظهر أن الرسل كانوا أشخاصاً عاديين مثلنا في طبيعتهم، تحركهم ذات الدوافع، وتحدوهم ذات الآمال، وتحضُّهم ذات الأفراح، وتكتنفهم ذات الأحزان، وتؤثر فيهم ذات المخاوف، وتتعرَّض نفوسهم لذات التجارب والضعفات والعواطف مثلنا. وتدلّ كتاباتهم على رجاحة عقولهم. وما لم تكن شهادتهم صادقة فإننا لا نستطيع أن نرى دافعاً آخر لهم يجعلهم يخترعون خدعة لينشروها على الناس (4).

وحسناً قال كليفور هرشل مور أستاذ جامعة هارفارد: إن المسيحية عرفت أن مخلصها وفاديها ليس كباقي الآلهة الذين وردت أسماؤهم في الأساطير التي تلفُّها عناصر خرافية بدائية. فيسوع شخص تاريخي لا خرافي، فلا يوجد شيء خرافي في العقيدة المسيحية التي تأسست على حقائق إيجابية أكيدة .

ويقول بنيامين ورفيلد من جامعة برنستون: إن تجسد اللّه الأزلي هو بالضرورة مسألة عقيدة، فلا يمكن لعين بشرية أن تراه وهو يتنازل ليأخذ صورة الإنسان، ولا يمكن للسان بشري أن يشهد بذلك، ومع ذلك فلو لم يكن التجسد حقيقة لكان إيماننا باطلاً ولظللنا في خطايانا. أما قيامة المسيح فحقيقة ثابتة، حادثة وقعت فعلاً، تدخل في دائرة معرفة الإنسان وإدراكه، ويمكن إِثباتها بمختلف الشهادات والأدلة، وهي التعليم الأساسي في المسيحية، وعليها تتوقف باقي التعاليم .

قال أحد العلماء العظماء، الدكتور أيفي، رئيس قسم الكيمياء في جامعة إلينوي: أؤمن بقيامة المسيح الجسدية. أنا أؤمن وأقدر أن أدافع عن إيماني بالعقل.. صحيح أنني لا أقدر أن أبرهن إيماني هذا بذات الطريقة التي أبرهن بها بعض الحقائق العلمية. ولكن بعض هذه الحقائق كان غامضاً منذ مئة سنة كما لا تزال حقيقة القيامة اليوم. وعلى أساس البرهان التاريخي للمعلومات البيولوجية الراهنة، فإن العالِم الأمين لفلسفة العلم يمكن أن يشكّ في قيامة المسيح بالجسد، لكنه لا يملك أن ينكرها، لأن هذا يعني أنه يستطيع أن يبرهن أنها لم تحدث. صحيح أن علم البيولوجي اليوم يقول إننا لا نقدر أن نقيم جسداً مات وقُبر منذ ثلاثة أيام، ولكن إنكار قيامة المسيح على أسس علم البيولوجي كما هي الآن، هو موقف غير علمي حسب معرفتي بفلسفة الموقف العلمي السليم. (5).

في عام 1747 أصدر عالمان كتاباً… وقصة إصداره أن شابين هما جلبرت وست ولورد لتلتون عزما على مهاجمة الكتاب المقدس، فقرر لتلتون أن يثبت أن شاول الطرسوسي لم يصر مسيحياً. وعزم وست على برهنة أن المسيح لم يُقم من قبره!

والتقيا بعد وقت لدراسة ما وصلا إليه، فإذا كُلٌّ منهما قد اكتشف عكس ما كان يريد إثباته، فكتبا كتاباً عنوانه: ملاحظات على تاريخ قيامة المسيح وبراهينها وكتبا على غلافه لا تلوموا قبل أن تفحصوا الحقائق . (6) وقد ذكرا فيه: إن الأدلة قاطعة أنه في اليوم الثالث قام يسوع من بين الأموات. وهي نفس النتيجة التي وصل إليها لورد دارلنج كبير قضاة إنجلترا، ففي إحدى المآدب دار الحديث حول صحة المسيحية، وبخاصة موضوع القيامة… فقال لورد دارلنج بكل مهابة وحزم: نحن المسيحيين مطالبون بأن نقبل أشياء كثيرة بالإيمان، مثل تعاليم يسوع ومعجزاته. ولو كان علينا أن نقبل كل شيء بالإيمان، لراودني الشك، ولكن ذروة المسألة هي ما يختصّ بحقيقة: هل عاش يسوع فعلاً وماذا قال عن نفسه؟ وكل ذلك يستند إلى حقيقة القيامة، فعلى هذه الحقيقة يرتكز إيماننا، والأدلة على هذه الحقيقة أدلة قاطعة حاسمة إيجابياً وسلبياً، سواء من جهة الوقائع أو الظروف، حتى أنه لا يوجد رجل قانون عاقل يتردد في الحكم بصحة قصة القيامة .

3 – شهادة آباء الكنيسة الأولين:

احتلَّت القيامة المكانة الثانية بعد مكانة تجسُّد المسيح في كتابات آباء الكنيسة. ولقد دلل الآباء الأولون على صحة القيامة منذ بدء المسيحية، فذكرها أكليمندس الروماني في رسالته إلى كورنثوس (95 م). كما أوردتها كل قوانين الإيمان ولم يعارضها أحد.

وقال إغناطيوس (50 – 115 م) إن المسيحية هي الإيمان بالمسيح والمحبة له، الإيمان بآلامه وقيامته وهو يدعو كل مسيحي ليقتنع اقتناعاً عميقاً بالميلاد والآلام والقيامة ويقول إن رجاءنا هو قيامة المسيح، لأن قيامته وعد بقيامتنا. ويقول أغناطيوس إن الكنيسة تفرح بآلام المسيح وقيامته، ويقول إن القيامة كانت بالروح وبالجسد (7).

وفي رسالة بوليكاربوس لأهل فيلبي (حوالي 110 م) يتحدث عن المسيح الذي احتمل حتى الموت لأجل خطايانا، ولكن اللّه أقامه ناقضاً أوجاع الموت ويقول: إن اللّه أقام ربنا يسوع من الأموات وأعطاه مجداً، وعرشاً عن يمينه، وأخضع له كل ما في السماء والأرض والمسيح المقام آت ليدين الأحياء والأموات وإن الذي أقامه من الأموات سيقيمنا نحن أيضاً، إن كنا نفعل مشيئته ونسلك في وصاياه . وكانت صلاة بوليكاربوس الأخيرة قبل استشهاده أن يكون له نصيب في عداد الشهداء في كأس المسيح، إلى قيامة الحياة الأبدية للروح والجسد في عدمفساد .

أما حديث جستن الشهيد عن القيامة (100 – 165 م) فهو دفاع عن العقيدة المسيحية، وكان معاصروه يقولون إن القيامة مستحيلة، بل إنها غير مطلوبة، لأن الجسد هو مصدر الشر، بل أنها غير معقولة لأنه لا معنى لاستمرار أعضاء الجسد. وكان المعاصرون يقولون إن قيامة المسيح شُبِّهت لهم، ولكنها لم تكن حقيقة بالجسد. وجاوب جستن على هذه الأفكار، ودحضها.

أما ترتليان فقد كان مدافعاً عن المسيحية (160 – 165 م) وكتب باللغتين اليونانية واللاتينية في جميع فروع الثقافة من قانون وسياسة وبلاغة. وبعد أن عاش ثلاثين أو أربعين سنة في حياة الخلاعة، اعتنق المسيحية ضد الوثنيين واليهود والهراطقة. وكان مدافعاً قوياً عن الإيمان.

رابعاً – مشاهد حول حادثة القيامة

1 – المسيح مات:

يسجل مرقس ما يلي بعد محاكمة المسيح:

فَبِيلَاطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرْضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ بَعْدَمَا جَلَدَهُ لِيُصْلَبَ. a>فَمَضَى بِهِ الْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ الدَّارِ الّتِي هِيَ دَارُ الْوِلَايَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ الْكَتِيبَةِ. وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُواناً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، وَابْتَدَأُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: السَّلَامُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ! وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. وَبَعْدَمَا استَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الْأُرْجُوانَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ (مرقس 15: 15 – 20).

ولكي يُجلد المجرم كانوا يجرّدونه من ثيابه ويربطونه إلى عامود، ثم تنهال عليه الضربات الوحشية من عساكر متخصّصين. ومع أن اليهود كانوا يحددون عدد الجلدات بأربعين، إلا أن الرومان لم يجعلوا للجلدات حدوداً، فكان المجلود تحت رحمة جلاَّديه. وكان سوط الجلد ذا نهايات بها قطع معدنية تمزق بدن المجلود. وقد وصف الأسقف يوسابيوس القيصري (ومؤرخ الكنيسة من القرن الثالث الميلادي) آثار الجَلْد بقوله إن عضلات وأعصاب وأحشاء المجلود كانت تبرز من مكانها.

وبعد أن احتمل المسيح آلام الجلد، كان عليه أن يحمل صليبه إلى الجلجثة مكان الصلب..

1 – ولا بد أن التجهيز لهذه المسيرة كان سبب ألم شديد للمسيح، فيقول متى: وَبَعْدَ مَا استَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ الرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ (متى 27: 31). ولا شك أن نزع الرداء وإلباسه ثيابه على الجروح سبَّبت الألم الكثير.

2 – إن عبارة مرقس وجاءوا به إلى موضع جلجثة (مرقس 15: 22) تعني أن يسوع عجز عن السير، فحملوه قسراً إلى موضع الصلب! وهكذا انتهت آلام التجهيز للصلب، لتبدأ عذابات الصلب نفسه (8)!.

ويسجل مرقس قصة الصلب، فيقول:

وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ جُلْجُثَةَ الّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ جُمْجُمَةٍ . وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ. وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ. وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوباً مَلِكُ الْيَهُودِ . وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. فَتَمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ . وَكَانَ الْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُّزُونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: آهِ يَا نَاقِضَ الْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ! خَلِّصْ نَفْسَكَ وَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ! وَكَذ لِكَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ الْكَتَبَةِ قَالُوا: خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا. لِيَنْزِلِ الْآنَ الْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنُؤْمِنَ . وَاللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ.

وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ السَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَنِي؟ (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِل هِي إِل هِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا . فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً خَلاًّ وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاهُ قَائِلاً: اتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ! a>فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ، قَالَ: حَقّاً كَانَ هذَا الْإِنْسَانُ ابْنَ اللّهِ! (مرقس 15: 22 – 39).

إن أهوال الصليب أرهب من كل تصّوُر، حتى أن شيشرون خطيب روما الشهير يقول: يجب ألا ترِدَ كلمة الصليب على شفاه مواطني روما، بل يجب ألاَّ تخطر على بالهم أو تمرّ أمام عيون خيالهم أو تطرق مسامعهم .

بعد أن قضى يسوع ليلة بلا نوم، لم يُعطَ خلالها أي طعام، واحتمل السخرية في محاكمتين، وجُلد بفظاعة، حملوه إلى مكان الصلب، أشنع وسيلة للإعدام، فيه كانت كل خلايا جسد المصلوب تصرخ من الألم.

كان موت الصليب يحمل العذاب كله: الدوخة، التوتر، العطش، الجوع، عدم النوم، الحمى، التسمُّم، الخزي والعار، استمرار التعذيب، الموت البطيء من الجروح… آلام رهيبة خالية من أي أثر للرحمة ولكنها دون حد الإغماء فلا يمكن للمصلوب أن يستريح ولو قليلاً من آلامه.

وكان وضع المصلوب عذاباً، فكل جسمه مشدود، وجروحه معرَّضة للجّو والحشرات.. وتحتقن رأسه ورئتاه بالدماء، ويزيد العطش الشديد المستمر آلامه.. كل هذه الآلام تجعل من لحظة الموت رحمة!

وقد استغرب بيلاطس لما عرف بسرعة موت المسيح، فسأل قائد المئة الذي قال إنه مات فعلاً. وكان الجنود الرومان يعرفون ما هو الموت، بعد أن مارسوه في كل مكان. وكانت العادة أن يفحص المصلوب أربعة من جلاديه ليعطوا شهادة بوفاته. ولا بد أن الأربعة فحصوا جسد يسوع وتأكدوا تماماً من موته، قبل أن يسمح بيلاطس ليوسف الرامي أن يأخذه (6).

وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ الْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هكَذَا وَأَسْلَمَ الرُّوحَ، قَالَ: حَقّاً كَانَ هذَا الْإِنْسَانُ ابْنَ اللّهِ,,, فَتَعَجَّبَ بِيلَاطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟ وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَ (مرقس 15: 39 و44 و45).

ولا شك أن الجنود الذين أنزلوا الجسد تأكدوا أن صاحبه قد مات.

ويقول البشير يوحنا إن العسكر لَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لِأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. ل كِنَّ وَاحِداً مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ (يوحنا 19: 33 ، 34).

ويقول الدكتور صموئيل هفتن أستاذ الفسيولوجيا من جامعة دبلن، التعليقات التالية على موت المسيح:

عندما طعن الجندي جنب المسيح كان قد مات، وخروج الدم والماء قد يكون ظاهرة طبيعية قابلة للتفسير، أو أنه معجزة. ويبدو من رواية يوحنا أنه لو لم تكن هذه معجزة فإنها على الأقل ليست ظاهرة عادية، ويظهر هذا من تعليق يوحنا على هذا بأنه كان شاهد عيان صادق للرواية.

ومن ملاحظاتي على الإنسان والحيوان في معمل التجارب وجدت النتائج التالية: عندما يُطعن الجسد في الجانب الأيسر، بعد الوفاة، بسكين كبيرة تساوي في الحجم حربة الجندي الروماني، فإن النتائج التالية يمكن أن تحدث:

1 – لا يخرج شيء إلا قطرات قليلة من الدم.

2 – يخرج سيل من الدم فقط من الجرح.

3 – دفق من الماء فقط تتبعه قطرات قليلة من الدم.

وفي هذه الحالات الثلاث تغلب الحالة الأولى. أما الحالة الثانية فتحدث في حالات الموت غرقاً أو بتسمّم الاستركنين. وقد تحدث في الحيوان الذي يموت بهذا السم، ويمكن البرهنة على أنها الحالة العادية للشخص المصلوب. أما الحالة الثالثة فتحدث في حالة الموت بذات الجنب أو التهاب التامور أو تمزق القلب.

وهناك حالتان لم تُسجلا في كتب (إلا في إنجيل يوحنا) ولم يكن من حظي أن ألتقي بهما:

4 – سيل غزير من الماء يتبعه سيل غزير من الدم، عند الجرح.

5 – سيل غزير من الدم يتبعه سيل غزير من الماء، عند الجرح.

ويُحدث الصَّلب احتقان الرئتين بالدم كما في حالة الغرق أو التسمم بالاستركنين. وتحدث الحالة الرابعة للمصلوب الذي يعاني قبل الصلب من حالة انسكاب رئوي. أما الحالة الخامسة فتظهر في المصلوب الذي يموت على الصليب نتيجة انفجار أو تمزق في القلب. ودراسة تاريخ الأيام الأخيرة من حياة المسيح، تظهر أنه لم يكن مصاباً بحالة انسكاب رئوي قبل الصلب. وعلى هذا لا يبقى أمامنا إلا احتمال خروج الدم والماء من جنب المسيح بسبب الصلب وتمزق القلب أو انفجاره. وأعتقد أن هذا الفرض الأخير هو الصحيح، ويتفق معي فيه الدكتور وليم ستراود ِStroud (9).

ويمضي الدكتور هفتن فيقول إن يوحنا لم يكن في إمكانه أن يخترع قصة خروج الدم والماء، فإن روايته رواية شاهد عيان يتعجب مما يراه، ويعتبر أن معجزة قد صاحبت الصلب (9).

مع أن هذه الطعنة في جنب المسيح، لو جاءته وهو حي لتدفَّق دم فقط مع كل نبضة من قلبه، لكن هذه الرواية الإنجيلية من البشير الذي لم يدرس الباثولوجي تبرهن لنا أن المسيح قد مات فعلاً (6).

وأخذ يوسف جسد يسوع بعد أن تأكد بيلاطس من قائد المئة أن يسوع قد مات، ولفَّه بالأكفان مع الأطياب، وهذا برهان على موت يسوع، فإن رائحة الأطياب النفاذة كانت تعيد إليه صوابه لو أنه كان مغمى عليه. إن لف جسده بثوب كتاني وتغطية وجهه بمنديل كما لليهود عادة أن يُكفّنوا برهان على موت المسيح.

ولو أن المسيح كان حياً ووُضع في القبر المنحوت في الصخر لمات فيه، لأنه عندها سيحتاج إلى الهواء الطلق، كما أن رائحة الأطياب كانت ستؤثر عليه تأثيراً مميتاً.

لقد مات يسوع مصلوباً وَالذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ (يوحنا 19: 35).

2 – القبر:

يذكر البشيرون الأربعة القبر 32 مرة وهم يروون قصة القيامة، لأن القبر الفارغ كان موضع اهتمامهم البالغ.

لم يكن الرومان يهتمون بدفن المصلوب، بل كانوا يتركون جثته للطيور. لكن اليهود كانوا يهتمون بدفن الميت. صحيح أنه كانت هناك استثناءات لهذه القاعدة، لكن العادة المتَّبعة كانت دفن المصلوب. وكان أفراد العائلة يتقدمون لدفن الجسد، أما في حالة المسيح فقد تقدم يوسف الرامي ليدفن الجسد.

وقد وصف يوسابيوس القيصري – أبو التاريخ الكنسي – قبر المسيح الذي اكتشفته الامبراطورة هيلانة، قال: أما القبر نفسه فكهف محفور في الصخر، لم يحدث أن دُفن فيه أحد آخر. ومن المدهش أن ترى هذه الصخرة قائمة وحدها على أرض مستوية بها كهف واحد. ولو كان هناك أكثر من كهف لصارت معجزة قيامته غامضة .

وقال رجل الحفريات ويليس الأستاذ بجامعة كامبريدج وصفاً لقبور ذلك الزمن: هناك حفر مجّوَف بعمق بوصة أو بوصتين ليوسَّد فيه الجسد، ومكان مرتفع كالوسادة لتُوضع عليه الرأس. وتوجد فتحة مستطيلة الشكل في واجهة القبر، عتبتها السفلى أعلى من أرضية القبر، ويسمح اتساعها بمرور الجسد إلى الداخل وأعلاها مقّوَس (10).

ويقول الأستاذ جوينبر في كتابه يسوع صفحة 500 العبارة التالية: الحق أننا لا نعرف، وغالباً لم يكن التلاميذ أنفسهم يعرفون أين أُلقي جسد يسوع بعد إنزاله من على الصليب بواسطة جلاديه على الأرجح. والأغلب أنه أُلقي في حفرة المصلوبين، أكثر من أنه قد وُضع في قبر جديد (3).

1 – وهذا الأستاذ لا يقدم أي برهان على صِدْق نظريته.

2 – كما أنه يغفل شهادة شهود الأحداث الموجودة في الكتابات الدنيوية والكنسية من القرون الثلاثة الأولى.

3 – وهو يغفل قصة الأناجيل الواضحة.

(ا) لماذا نجد الحقائق التالية، إن لم يكن يوسف الرامي قد أخذ الجسد فعلاً؟

وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامَةِ اسمُهُ يُوسُفُ – وَكَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْمِيذاً لِيَسُوعَ. فَهذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأَمَرَ بِيلَاطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى الْجَسَدُ (متى 27: 57 ، 58).

وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ الِا سْتِعْدَادُ – أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ – جَاءَ يُوسُفُ الّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضاً مُنْتَظِراً مَلَكُوتَ اللّهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبَ بِيلَاطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟ وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَو (مرقس 15: 42 – 45).

وَإِذَا رَجُلٌ اسمُهُ يُوسُفُ، وَكَانَ مُشِيراً وَرَجُلاً صَالِحاً بَارّاً – هذَا لَمْ يَكُنْ مُوافِقاً لِرَأْيِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الرَّامَةِ مَدِينَةٍ لِلْيَهُودِ. وَكَانَ هُوَ أَيْضاً يَنْتَظِرُ مَلَكُوتَ اللّهِ. هذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ (لوقا 23: 50 – 52).

ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَل كِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، سَأَلَ بِيلَاطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَأَذِنَ بِيلَاطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ (يوحنا 19: 38).

إن هذه الروايات واضحة. لم يحدث أن أُلقي جسد يسوع في حفرة.

(ب) ثم ماذا عن تجهيز يسوع للدفن؟

فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ (متى 27: 59).

فَا شْتَرَى كَتَّاناً، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِا لْكَتَّانِ (مرقس 15: 46).

وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ (مرقس 16: 1).

َتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُ. فَرَجَعْنَ وَأَعْدَدْنَ حَنُوطاً وَأَطْيَاباً (لوقا 23: 55 ، 56).

ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَنِيقُودِيمُوسُ، لَّذِي أَتَى أَّوَلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الْأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا (يوحنا 19: 38 – 40).

لماذا تُسجَّل هذه الحقائق إن لم تكن الاستعدادات للدفن قد جرت فعلاً؟

(ج) وماذا عن النسوة اللاتي راقبن يوسف الرامي ونيقوديموس يكفّنان الجسد ويضعانه في القبر؟

وَتَبِعَتْهُ,,, وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُوتبعنه.. ونظرن القبر وكيف وُضع جسده (لوقا 23: 55).

وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ (متى 27: 61).

وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ (مرقس 15: 47).

لقد عرفت النسوة مكان القبر. هذا واضح من القصة.

(د) وكيف نتجاهل المعلومات التي وردت عن القبر؟

وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَراً كَبِيراً عَلَى بَابِ الْقَبْرِ وَمَضَى (متى 27: 60).

وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي صَخْرَةٍ (مرقس 15: 46).

وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَنْحُوتٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ وُضِعَ قَطُّ (لوقا 23: 53).

وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ (يوحنا 19: 41).

ونلاحظ ما يأتي:

متى يقول إن القبر كان خاصاً بيوسف. يوحنا يقول إنه في بستان في الموضع الذي صُلب فيه يسوع. وكلهم ما عدا مرقس يقولون إن القبر كان جديداً. ولكن يوحنا لا يذكر أن القبر كان ملكاً ليوسف.

أما السبب الذي جعل يوسف يطلب الجسد فهو قُرب قبره من مكان الصلب، وكان الاستعداد للسبت يستوجب السرعة.

لقد كان القبر محفوراً في صخر ولم يكن كهفاً طبيعياً، ولم يكن محفوراً إلى أسفل، بل أفقياً في الصخر.

(ه ) لماذا طلب اليهود من بيلاطس أن يضع حرَّاساً على القبر، إن لم يكن هناك قبر؟

وَفِي الْغَدِ الّذِي بَعْدَ الِا سْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلَاطُسَ قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذ لِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلَامِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلَالَةُ الْأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الْأُولَى! فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ . فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِا لْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ (متى 27: 62 – 66).

ولو أن جسد المسيح أُلقي في حفرة المجرمين ما كان هناك داعٍ لحراسة القبر.

(و) ثم ماذا عن زيارة النسوة، للقبر صباح الأحد؟

وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ (متى 28: 1).

وَبَاكِراً جِدّاً فِي أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ (مرقس 16: 2).

ثُمَّ فِي أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ، أَّوَلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلَاتٍ الْحَنُوطَ الّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ (لوقا 24: 1).

وَفِي أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِراً، وَالظَّلَامُ بَاقٍ. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعاً عَنِ الْقَبْرِ (يوحنا 20: 1).

لو أن يسوع لم يُدفن في قبر يوسف الرامي، ما كانت هناك حاجة لمجيء النسوة.

(ز) ثم ماذا نقول عن زيارة بطرس ويوحنا للقبر بعد أن سمعا أخبار النسوة؟

فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، فَا نْحَنَى وَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّباً فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ (لوقا 24: 12).

فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الْآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. وَكَانَ الِا ثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعاً. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الْآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَّوَلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَانْحَنَى فَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَل كِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَالْمِنْدِيلَ الّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعاً مَعَ الْأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفاً فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضاً التِّلْمِيذُ الْآخَرُ الّذِي جَاءَ أَّوَلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ (يوحنا 20: 3 – 8).

(ح) إن جوينبر ينكر ما تذكره الأناجيل الأربعة بوضوح من أن جسد يسوع وُضع في قبر يوسف الرامي، ولكنه لا يورد أدلة على إنكاره، ويجيء بكلمات من خياله، نابعة من تفكيره وفلسفته لا من التاريخ، ذلك لأنه ينكر حدوث المعجزات (3).

3 – الدفن:

المعلومات التي عندنا عن دفن المسيح في قبر يوسف الرامي تفوق في تفصيلاتها أي معلومات تاريخية عندنا عن دفن أي شخص آخر، سواء من العهد القديم، أو ملوك بابل، أو فراعنة مصر، أو فلاسفة الأغريق، أو قياصرة الرومان. إننا نعرف من أخذ جسده من على الصليب، ونعلم شيئاً عن تعطير جسده بالأطياب وعن أكفانه، ونعرف القبر الذي دُفن فيه واسم صاحبه، يوسف الرامي، ونعرف أن موضع القبر كان في بستان قريب من مكان الصلب، خارج أسوار المدينة. وعندنا أربعة سجلات تاريخية عن الدفن، تتوافق كلها، واحد منهم هو متى تلميذ المسيح الذي حضر حادثة الصلب. والثاني مرقس الذي كتب قصته بعد صعود المسيح بأقل من عشر سنوات. والثالث لوقا رفيق بولس والمؤرخ العظيم. والرابع يوحنا آخِر من غادر مكان الصلْب، وكان مع بطرس، أول التلاميذ الاثني عشر، اللذين رأيا القبر الفارغ (3).

ويقول المؤرخ ألفرد إدرشايم: لم يكن الأغنياء وحدهم هم الذين يملكون قبوراً خاصة، بل كان متوسِّطو الحال يفعلون ذلك، كانوا يجهزون القبر قبل الحاجة إليه بوقت طويل. وكانوا يحفرون القبور في الصخور ويضعون فيها الجسد بعد تعطيره بالأطياب والحنوط وماء الورد وزيته. وكانوا يلفّون الجسد بالأكفان، وفي أقمشة قديمة تكون غالباً قد سبق أن لُفَّت بها كتب الشريعة. وكانت القبور أحياناً كهوفاً طبيعية (11).

ويقول إدرشايم عن دفن المسيح: لعله بسبب اقتراب السبت وضرورة الاستعجال، أن يوسف الرامي اقترح دفن المسيح في قبره الجديد الذي لم يسبق لأحد أن وُضع فيه. وأُنزل الصليب إلى مستوى الأرض، وجُذبت منه المسامير الخشنة. ولفَّ يوسف الرامي ومن معه الجسد بقماش من الكتان النقي، وأسرع به إلى قبره المنحوت في الصخر في بستان قريب، حيث يلائم النحت وضع جسد الميت. وكانوا عادة يلحقون بالقبر غرفة نحو تسعة أقدام مربعة يضعون فيها التابوت، وفيها يتمكن حاملو الميت من القيام بآخر الواجبات من نحو الجثة . (11).

ولقد تمَّ تطييب الجسد في تلك الغرفة الملحقة بالقبر. وكانوا عادة يستخدمون كمية كبيرة من المرّ والعود على جسد ذي المكانة الخاصة (11). ويخبرنا إنجيل يوحنا أن نيقوديموس أحضر نحو مئة مناً (نحو سبعين رطلاً) من الأطياب لتكفين جسد يسوع.

ولا بد أن يوسف الرامي أراد أن يعّوض جُبْنه من نحو المسيح، فاشترى الكثير من الأطياب كما أنه كان غنياً. ولم تكن كمية الأطياب – مع ضخامتها – غير عادية، فقد طيَّبوا جسد غمالائيل (معاصر يسوع) بنحو ثمانين رطلاً من الأطياب.

ويصف يوسيفوس، المؤرخ اليهودي في القرن الأول الميلادي، جنازة أرستوبولوس الذي قُتل وهو في الثامنة عشرة من عمره، وكان رئيساً للكهنة لمدة سنة واحدة فقط، قال إن الملك هيرودس بذل عناية خاصة لتجهيز القبر الذي يُوضع فيه الجسد، وزّوَده بكمية كبيرة من الأطياب، ودفن معه بعض أدوات الزينة (6).

ولقد كان المرّ دواء يلصق بالجسد ويلتحم به حتى يصعب نزع الأكفان عن بدن الميت. وكانت عادة اليهود في التكفين أن يغسلوا الجسد، ويسّووه، ثم يلفّونه من الإِبطين إلى الكعبين بقماش كتاني بعرض قدم (30 سم). وكانوا يضعون الأطياب بين طيات الأكفان لحفظ الجسد وللصق الكتان. وتعبير يوحنا تعبير دقيق لفاه بأكفان مع الأطياب .

وفي صباح اليوم الأول بعد الدفن اختفى جسد يسوع، لكن بقيت الأكفان!

ولقد اتبع يوسف الرامي الوصية القائلة: فَلَا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذ لِكَ الْيَوْمِ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللّهِ. فَلَا تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِل هُكَ نَصِيباً (تثنية 21: 23). ويعلّق بولس على هذا قائلاً: اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لِأَجْلِنَا، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ (غلاطية 3: 13).

ولا زالت عادات الدفن قائمة حتى اليوم في الشرق، فالجثة تُغسَّل، وتُلف بالأكفان، وتُطيَّب بالأطياب، ويُغطى الوجه بمنديل (يوحنا 11: 44).

4 – الحجر:

كان اليهود عادة يضعون حجراً على باب القبر ليحفظ جسد الميت من عَبَث الناس والحيوانات. وكان الحجر عادة ثقيلاً يحتاج لبضعة رجال ليزحزحوه. ولما كان قبر المسيح مهدداً باحتمال سرقة التلاميذ له، فقد اختاروا له حجراً ضخماً أكبر من المعتاد. وقد وُجد في نسخة قديمة (نسخة بيزا) من القرن الثاني لإنجيل مرقس تعليق بين قوسين على مرقس 16: 4 : فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لِأَنَّهُ كَانَ عَظِيماً جِدّ (لا يستطيع عشرون رجلاً أن يزحزحوه) . وكانت العادة أن يكتب القرَّاء ملاحظاتهم على هامش الإنجيل. لكن كتابة هذه العبارة بين قوسين وسط النص يعني أن هذه ملاحظة قديمة، لعل شخصاً معاصراً شاهد عيان كتبها تعليقاً على ضخامة الحجر، وكانت ضخامة الحجر قد أدهشته (12).

وتوضح القصة الكتابية أن الحجر كان ضخماً، حتى أن النسوة لم يكنَّ قادرات على دحرجته. ويقول المؤرخ إدرشايم، اليهودي الأصل: وهكذا وضعوا جسده داخل القبر الجديد المنحوت في الصخر، وعند خروجهم دحرجوا حجراً عظيماً جداً على الباب، حسب عادة اليهود، اسمه جوليل . ولعلهم سندوا الحجر الكبير بحجر آخر صغير يسمونه دوفج . والأغلب أن السلطات وضعت الختم عند اتصال الحجرين حتى يظهر أقل تغيُّر يطرأ عليهما (11).

ويقدم المحامي فرنك موريسون في كتابه من دحرج الحجر؟ تعليقاً على زيارة مريم وصديقاتها لقبر يسوع باكراً صباح الأحد فيقول: لا بد أن مسألة دحرجة الحجر شكَّلت حيرة ملحوظة للنسوة، فقد رأت اثنتان منهن على الأقل المنظر من قبل وعرفتا الموقف. وكان الحجر الكبير على الباب محل حيرتهن. وتقول أقدم الروايات الإنجيلية، وهي رواية مرقس وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا الْحَجَرَ عَنْ بَابِ الْقَبْرِ؟ (مرقس 16: 3) وهذا يُرينا أن مشكلة الحجر لم تكن مشكلة نفسية وحسب، لكنها كانت عنصراً تاريخياً في الموقف كله إلى أن وصلن إلى القبر (13).

ويدعو موريسون الحجر الشاهد الصامت الذي لا يخطئ ويقول إن هناك حقائق تستدعي الدراسة الدقيقة والبحث في مسألة الحجر: أولاً حجمه وصفاته. لا شك أنه كان كبيراً ثقيل الوزن، حتى يقول مرقس: كان عظيماً جداً . ويقول متى: دحرج حجراً كبيراً على باب القبر . وقد حارت النسوة في تحريكه. ولو لم يكن ثقيلاً ما تحيَّرت ثلاث نسوة في مشكلة دحرجته، فلا بد أنه كان أثقل مما يستطعن زحزحته (13).

5 – الختم:

يقول متى: فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِا لْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ (متى 27: 66) وكانت إحدى طرق الختم أن يشدّوا حبلاً على الحجر يثبتونه من طرفيه بصلصال لاصق، كما قيل في دانيال 6: 17 وَأُتِيَ بِحَجَرٍ وَوُضِعَ عَلَى فَمِ الْجُبِّ وَخَتَمَهُ الْمَلِكُ بِخَاتِمِهِ وَخَاتِمِ عُظَمَائِهِ، لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ الْقَصْدُ فِي دَانِيآلَ . ولقد تمَّ الختم في حضور عسكر الرومان الذين بقوا لحراسة القبر ليمنعوا السرقة أو القيامة، لكنهم أصبحوا شاهداً جديداً على القيامة!

وكان الرومان يضعون الأختام ليبرهنوا على صحة الأمر وصدقه، كما كانوا يضعونه على الوصايا والوثائق الهامة، ليحل محل التوقيع والإمضاء. وكان الختم ضماناً للسرية، إذ لا بد من فض الختم قبل الاطلاع على محتويات الوثائق.

كان الختم على الحجر إذاً ضماناً لعدم زحزحته عن باب القبر، إذ أن أي تحريك له يكسر الأختام. وهو كما ذكرنا يكون بشدّ حبل على الحجر يثبتونه من طرفيه بصلصال لاصق ثم يختم على الصلصال، أو بوَضْع عارضتي خشب بهيئة صليب، فوق الحجر، يختمون أطرافها الأربعة إلى باب القبر. وقد تم كل هذا أمام الحراس لضمان سلامة الختم الذي كان يمثّل كرامة الامبراطورية الرومانية، وكل من يتعدى عليه، فإنه يتعدى على شرف الامبراطورية.

قال القديس يوحنا فم الذهب، أسقف القسطنطينية في القرن الرابع، عن إجراءات الأمن التي اتُّخذت عند قبر المسيح:

ذهب قادة اليهود إلى بيلاطس قائلين: يا سيد، قد تذكَّرنا أن ذلك المضلّ قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمُرْ بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه ويقولوا للشعب إنه قام من الأموات . وعلى هذا فقد وجب أن يُختَم الحجر على باب القبر. وهذا الختم، وهذه الحراسة المشددة دليل واضح على عدم وجود خداع في قيامة المسيح. ولما كانت هذه الإجراءات قد اتُّخذت فإن وجود القبر خالياً برهان قاطع على أنه قام. هل ترى إذاً كيف قدموا البرهان على صدق حقيقة القيامة، دون قصد؟ (14).

6 – الحراس عند القبر:

ذهبت جماعة من رؤساء اليهود، بقيادة رئيس الكهنة إلى بيلاطس الوالي مطالبين بختم القبر وحراسته تحت إشراف عسكر الرومان. وكانت الحجَّة التي ساقوها هي أن يحموا القبر من سطو تلاميذ المسيح ليلاً، حتى لا يدَّعوا أن المسيح قام. وقال بيلاطس: عندكم حراس. إذهبوا واضبطوه كما تعلمون . ولا بد أن عدداً (عادة ما بين عشرة وثلاثين جندياً) من عسكر الرومان مضى معهم تحت إشرافهم لختم الحجر على القبر المملوك ليوسف الرامي، بختم النسر الروماني، مع ختم الوالي الروماني. وكان فضُّ مثل هذا الختم جريمة كبرى ضد الدولة. وكان هذا الإجراء أكبر برهان يدحض الاتهام الذي وجَّهه اليهود فيما بعد لتلاميذ المسيح من أنهم جاءوا ليلاً وسرقوا جسد يسوع. ولا بد أن قائد العسكر الروماني كان برتبة قائد مئة، ومحل ثقة عند بيلاطس، وقد حفظ التقليد لنا أن اسمه بترونيوس.

وقد قام عسكر الرومان بواجبهم في حراسة القبر، كما سبق وقاموا بواجبهم في تنفيذ حكم الصلب، فقد كان عسكر الرومان يؤدّون واجبهم دوماً بأمانة وانضباط. وكان الختم الذي يحمل النسر الروماني أكثر قداسة عندهم من كل فلسفات إسرائيل وعقائدها القديمة.. ولا عجب فإن الجنود الذين يقترعون على رداء مصلوب دون اهتمام بآلامه، لا يمكن أن يخدعهم جليليون ضعفاء، أو أن يناموا في أثناء نوبة حراستهم فيعرضّون نفوسهم للموت.

ولقد جرى جدال كثير حول قول بيلاطس: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ (متى 27: 65) فجاء السؤال: هل كان الحراس جنوداً رومانيين، أم كانوا من حرس الهيكل؟ ذلك أن قول بيلاطس: عندكم حراس قد تعني (1) أن عندهم حرس الهيكل أو (2) خذوا حراساً من الجند الروماني.

ولكننا نرى أن الحراس كانوا من الرومان. فلماذا يذهب اليهود لبيلاطس لطلب حراس وعندهم الحراس؟ ولماذا قالوا للحراس بعد اكتشاف القبر الفارغ: وَإِذَا سُمِعَ ذ لِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ (متى 28: 14). لا شك أنهم جنود الوالي وهم يستعطفون لهم الوالي. ثم أن قول بيلاطس عندكم حراس تحمل معنى الأمر، أي خذوا حراساً . كما أن كلمة حراس في اللغة الأصلية تطلق عادة على الحرس الروماني، وقد وُجدت وصفاً للعسكر الرومان في بردية ترجع إلى عام 22 م كما أن رؤساء الكهنة طلبوا من بيلاطس أن يأمر بضبط القبر (متى 27: 64).

وسياق القصة كلها في أصحاحي 27 و 28 من إنجيل متى يظهر أن الحرس كان رومانياً، فإن اليهود يمكن أن يسامحوا الحرس اليهودي إذا نام، لكن الوالي الروماني هو الذي يسامح الحرس الروماني إذا نام! (راجع متى 28: 11 ، 14). لقد أخبر الحراس رؤساء الكهنة بقصة القبر الفارغ، ليتدبَّروا الأمر معهم، ولو أنهم أخبروا بيلاطس لوقع عليهم العقاب بالموت.

لقد طلب قادة اليهود حرساً رومانياً، فأعطاهم الوالي الحرس. ولما كان العقاب واجباً على الحرس فقد استعطف قادة اليهود الوالي حتى لا يوقّع العقاب على حرسه. وقد كان انضباط الجندي الروماني مذهلاً، وكانت عقوبة الموت تُوقّع على الجندي في الأحوال الآتية، حسبما وردت في قوانين جستنيان:

البقاء مع الأعداء – الهروب – قطع عضو من الجسد للهروب من الخدمة – العصيان زمن الحرب – صعود سور أو متراس – بدء تمرد – رفض حماية القائد – التهرب من الخدمة – القتل – مدّ اليد على رتبة أعلى أو شتم قائد – الهروب الذي يجعل آخرين يهربون – إفشاء السر للأعداء – ترك مكان الخدمة – جرح زميل بسيف – ترك الحراسة الليلية – كسر عصا قائد المئة عند تنفيذه التأديب – الهروب من السجن – تعكير السلام (15).

وكانت العقوبة تتم بالقتل بالسيف، أو بالرمي من جبل عال. ولقد كان العقاب قديماً قاسياً للغاية بمقارنته بالعقاب الذي يوقَّع اليوم على الجندي المقصِّر. وبهذا انتصرت روما في حروبها الكثيرة (15).

وكانت فرقة الحراسة الرومانية تتكون من عدد يتراوح بين 60 و 120 جندياً، ينقسمون إلى فرق صغيرة من أربعة جنود. أربعة يحرسون الخيمة من الأمام وأربعة يحرسونها من الخلف وسط الخيول. وكان أحد الأربعة يقف وقفة انتباه بينما يستريح زملاؤه الثلاثة بعض الشيء! ولكنهم جميعاً يكونون متنبهين لأي إنذار. ولقد كان هناك أربعة عساكر عند الصليب (يوحنا 19: 23).

أما حرس الهيكل فقد كانوا ينتشرون ليلاً في 24 مكاناً عند الأبواب وفي الأفنية، 21 منهم من اللاويين فقط، وثلاثة من الكهنة معاً. وكانت كل فرقة منهم تتكّوَن من عشرة رجال، وهكذا نجد أن هناك 240 لاوياً و 30 كاهناً يعملون في الحراسة كل ليلة. وكان حرس الهيكل يستريحون نهاراً ويعملون ليلاً. وكان الرومان يقسمون حراسة الليل إلى أربع حراسات لكن اليهود كانوا يقسمونه على الأرجح إلى ثلاث. وكان هناك قائد عام لحرس الهيكل ليحفظ النظام في الهيكل. وليفتش على الحرس ليلاً. وكان الرؤساء والولاة يعيّنون القائد العام للحرس (16).

وعندما كان القائد العام يصل إلى حرس الهيكل كانوا يقومون لتحيته. وكان الحارس النائم يُضرب أو تُحرق ثيابه عقاباً له. ومن هذا نفهم معنى قول الرؤيا 16: 15 طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً (16).

وتقول المشنا إن حارساً كان يسير أمام القائد العام لحرس الهيكل يحمل مشعلاً. وكان كل جندي يقف ليقول للقائد: يا قائد حرس الهيكل، سلام لك وما لم يقف بهذه التحية فمعنى ذلك أنه كان نائماً، ويستحق ضرب العصا أو إحراق ثيابه. وعندما يسأل زملاؤه عن سبب الضوضاء في الهيكل كانوا يسمعون: وجدنا فلاناً نائماً في نوبة حراسته وهم يضربونه ويحرقون ثيابه! . بل إنهم أحياناً كانوا يحرقون قميص النائم على جسده، ليكون عبرة لغيره!

فلو أن حراس القبر كانوا من الرومان أو من اليهود، فإن حراستهم كانت دقيقة. ولم يحدث أن لقي قبر كل هذه العناية..

7 – التلاميذ الهاربون

يشرح لنا متى جُبْن التلاميذ بقوله: حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلَامِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا (متى 26: 56) وهكذا يقول مرقس: فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا (مرقس 14: 50).

ومن الواضح أن التلاميذ لم يكونوا شجعاناً بواسل ولا متسعي الفكر، ولذلك فإنهم هربوا جميعاً تاركين معلّمهم للذين قبضوا عليه. بل أن بطرس لعن وحلف أنه لا يعرف هذا الرجل ! وذلك أمام جارية!

ولقد ملأ الرعب قلب بطرس فأنكر المعلم الذي أحبه والذي دعاه ليترك الشِباك ويصيد الناس.

لقد كان التلاميذ صيّادين لا يعرفون حياة المدن، ولكنهم تبعوا المعلم الجليلي بأمانة وإخلاص، حتى جاءت الساعة الفاصلة عندما قُبض عليه في البستان، فأرعبتهم أضواء مشاعل الجند، فهربوا جميعاً! وظل التلاميذ مختفين حتى جاءتهم مريم المجدلية بأخبار القيامة في اليوم الثالث. ولقد ظنوا أن المرأة تهذي، فإن معلمهم قد مات وانتهى! ولم يكونوا بعد يعرفون الكتب أن مخلّصهم ينبغي أن يقوم من الأموات!

خامساً – مشاهد بعد حادثة القيامة

1 – القبر الفارغ:

لم يُقنع القبر الفارغ التلاميذ بحقيقة القيامة، والقول إن يوحنا رأى وآمن (يوحنا 20: 8) سببه أن يوحنا تذكَّر ما سبق أن قاله المسيح عن قيامته. أما مريم المجدلية والنسوة وبطرس فلم يؤمنوا بالقيامة عندما رأوا القبر الفارغ. ولكن ظهورات المسيح لهم بعد القيامة هي التي جعلتهم يؤمنون. غير أن القبر الفارغ برهن حقيقة تاريخية هي أن الذي ظهر للتلاميذ هو نفسه يسوع الناصري.

ويلاحظ دارس العهد الجديد أن حقيقة القبر الفارغ لم ترِدْ إلا في الأناجيل. ولكن مواعظ الرسل للجمهور – كما يسجّلها سفر الأعمال – لم تذكرها، بالرغم من تأكيد الرسل الشديد على القيامة – والسبب: إن هذه الحقيقة كانت معروفة للجميع، فلم يكن هناك ما يدعو إلى برهنتها. لقد عرف الجمهور كله أن قبر المسيح فارغ، فكان المهم هو: ما هي دلالة القبر الفارغ؟ لماذا هو فارغ؟

والقبر الفارغ يقف صخرة راسخة كدليل من أقوى الأدلة على قيامة المسيح. لقد ربح الرسل كثيرين للإيمان بالمسيح – بالرغم من عداوة السامعين بعد أن أعلنوا خبر القيامة المفرح، وهم على بُعد قريب من القبر، يمكن لمن يشاء أن يذهب إليه بنفسه. فهل كان يمكن أن يربحوا كل هؤلاء لو أن جسد المسيح كان مُسجى في قبره؟! وهل يمكن أن يقبل الكهنة والفريسيون وقادة اليهود ما أعلنه التلاميذ البسطاء، بدون مقاومة، لو لم يكن القبر فارغاً فعلاً؟! إن حقيقة القيامة ما كان يمكن أن تُعلَن في أورشليم لو لم يكن القبر قد خلا حقاً من جسد المسيح، فقد كان اليهود قادرين على إحضار الجسد لو أنه كان موجوداً! (13).

حاول قادة اليهود أن يَرْشوا الحراس ليقولوا إن تلاميذ المسيح سرقوا جسده، وهم نيام (متى 28: 11 – 15). وهذا في ذاته برهان على أن القبر كان فارغاً.. لكن المشكلة هي في تفسير سرّ هذا الفراغ!

لقد نشر اليهود في القرن الثاني عشر كتابات تحوي تفسيراً للقبر الفارغ، تقول إن الملكة عندما سمعت أن الرؤساء قتلوا يسوع ودفنوه وأنه قام أيضاً، أمرتهم أن يجيئوا بجسد يسوع في بحر ثلاثة أيام وإلا قتلتهم. عندئذ قال يهوذا: تعالوا لتروا الرجل الذي تطلبونه لأني أنا الذي أخذته من القبر. لقد خفت أن يسرقه التلاميذ، فأخذته وخبأته في بستان وعملت مجرى ماء فوق مكانه . وتكمل القصة بأن الجسد قد ظهر. (عن توليدوث يسوع ) (17). وواضح أن هذه القصة هي من إنتاج فكر العصور الوسطى، ولكنها دليل على أن القبر كان فارغاً. وأن الأمر يعوزه التعليل. ولعله لهذا السبب تغفل معظم الكتابات المنافية للمسيحية ذكر القبر الفارغ، لأن القبر الفارغ ضربة مميتة لكل الاعتراضات على الشهادة المسيحية، والصخرة التي تتحطم عليها كل النظريات المخادعة.

ويلاحظ دارس تاريخ الكنيسة أن المسيحيين في القرون الأولى لم يجعلوا من قبر المسيح مزاراً، فإن الجسد لم يكن هناك. فلماذا الزيارة؟ فلا الأناجيل ولا سفر الأعمال ولا الرسائل لا كتابات الأبوكريفا ولا الكتابات القديمة تذكر أن للمسيحية مزاراً. ألم تَشْتَقْ سيدة واحدة من اللواتي أحسن المسيح إليهنّ أن تزور قبره؟ ألم يَشْتَقْ أندراوس أو بطرس أو يوحنا أن يحجّوا إلى قبره؟ ألم يُرِدْ شاول الطرسوسي أن يزور القبر ليذرف الدمع ندماً على ما سبق أن اقترفه في حق صاحبه؟.. لو أنهم عرفوا أن جسد المسيح مُسجَى هناك لأسرعوا لزيارته (13).

2 – الأكفان:

تتضح من رواية يوحنا أهمية الأكفان كبرهان للقيامة. إنه يقول:

فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الْآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. وَكَانَ الِا ثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعاً. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الْآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَّوَلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَانْحَنَى فَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَل كِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَالْمِنْدِيلَ الّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعاً مَعَ الْأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفاً فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضاً التِّلْمِيذُ الْآخَرُ الّذِي جَاءَ أَّوَلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الْأَمْوَاتِ (يوحنا 20: 3 – 9).

كانت مريم المجدلية قد أخبرت بطرس ويوحنا أن المسيح ليس في القبر، فجَرَيا حتى سبق يوحنا بطرس، وانحنى ينظر فرأى الأكفان موضوعة، وتبعه بطرس، وكان المنديل الذي يغطي الرأس ملفوفاً وحده بعيداً عن الأكفان. والكلمة موضوعة في اليونانية تعني العناية في وضعها، وهي في صيغة التوكيد، بمعنى أنها ليست ملقاة، بل في موضعها الذي كانت فيه على الجسد. وفي موضع الرأس كان المنديل، وهذا معناه أن الجسد قد انسحب من أكفانه. وعندما رأى يوحنا ذلك لم يحتَجْ إلى شهادة إنسان ولا ملاك بل رأى فآمن، وسجّل شهادته لنا. ويقول كيرلس الاسكندري (326 – 444 م) إن الطريقة التي وُضعت بها الأكفان قادت التلاميذ للتأكد من القيامة.

ويقول بروفسور ا. ه-. داي: إن رواية يوحنا تتميَّز بلمسة شخصية. إنها لا تحمل شهادة شاهد عيان فحسب، بل وشهادة مراقب دقيق الملاحظة.. إن ركض التلميذين وترتيب وصولهما إلى القبر ودخولهما إليه، وكيف أن يوحنا انحنى أولاً ونظر من خلال باب القبر ورأى الأكفان موضوعة، بينما بطرس أكثرهما جسارة – كان أول من دخل ونظر (وهي في اليونانية تعني التدقيق والفحص)، ووصف موضع الأكفان والمنديل – وهو وصف لا تصنُّع فيه، لكنه وصف دقيق انطبع في ذاكرته بسبب ما رآه، وكان نقطة تحّول في إيمانه وحياته. فلم يكن الأمر قاصراً على القبر الفارغ فحسب، بل والأكفان التي ظلت في موضعها كما هي.

لقد سجَّل لنا يوحنا أن يوسف الرامي ونيقوديموس أتيا بمزيج مرّ وعود نحو مئة مناً، ولفَّا الجسد بالأكفان مع الأطياب.. ولكن ها يوحنا يسجل ما رآه هو وزميله بطرس عندما أتيا إلى القبر في صباح القيامة:

1 – الأكفان موضوعة بعناية كما لو أن الجسد ما زال داخلها.

2 – المنديل الذي كان على الرأس ليس موضوعاً مع الأكفان.

3 – المنديل ملفوفاً، وكأنه ما زال على الرأس، على مسافة قريبة من بقية الأكفان، في موضع الرأس.

لقد كانت جميعها في مكانها كما هي لم تلمسها يد، ولم يُطّوَح بها في أي مكان، بل كانت جميعها كالشرنقة التي خرجت منها الفراشة وطارت!

وبعد التلميذين نظرت المجدلية فرأت ملاكين بثياب بيض جالسَيْن واحداً عند الرأس والآخر عند القدمين، والأكفان بينهما. ويضيف كل من متى ومرقس أن أحد الملاكين قال: قد قام. ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه . وقد أكَّد هذا كله للتلاميذ أن القيامة قد حدثت! (2).

ولا شك أن بطرس ويوحنا اختبرا ما يمكن أن يقولا عنه: حقاً! الرب في هذا المكان (10) وكأن الأكفان والأطياب والمنديل قالت للمشاهدين: كل ما تألم به المسيح قد تغيَّر ومضى.. أما نحن الأكفان والأطياب والمنديل، فإننا من الأرض ونبقى (10).

3 – وضع الحجر:

الكلمة اليونانية التي تصف وضع الحجر لها معناها.

متى 27: 60 دحرج حجراً كبيراً .

مرقس 16: 3 ، 4 يستعمل دحرج مع إضافة كلمة يونانية أخرى لتعني أن مدخل القبر كان منحدراً أو مائلاً قليلاً.

لوقا 24: 2 يستعمل دحرج مع إضافة كلمة يونانية أخرى لتعني منفصلاً، أو بعيداً قليلاً. أي أن الحجر كان بعيداً قليلاً في المسافة عن القبر كله.

يوحنا 20: 1 كلمة أخرى هي مرفوعاً عن القبر أي بعيداً عنه كله.

لقد كان يلزم جهد ضخم لدحرجة مثل هذا الحجر الكبير.

4 – الختم:

ولقد تمَّ ختم القبر بحضور الجند الرومان. ولن يُفتح باب القبر إلا إذا كُسر الختم، وهذه جريمة ضد الدولة الرومانية!

ولكن الختم كُسر، والحجر دُحرج، وكان على الحراس أن يقدموا تقريراً لقادتهم ورؤسائهم .. فقد كان الكل يخافون كسر الختم الروماني!

5 – الحرس الروماني:

يقدم متى الملاحظات الآتية:

وَإِذَا زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَدَثَتْ، لِأَنَّ مَلَاكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ. وَكَانَ مَنْظَرُهُ كَا لْبَرْقِ، وَلِبَاسُهُ أَبْيَضَ كَا لثَّلْجِ. فَمِنْ خَوْفِهِ ارْتَعَدَ الْحُرَّاسُ وَصَارُوا كَأَمْوَاتٍ.,, قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَا جْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: قُولُوا إِنَّ تَلَامِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذ لِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ . فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ (متى 28: 2 – 4 ، 11 – 15).

ارتعب الحراس – الغلاظ وقساة القلوب – من المنظر المصاحب لقيامة المسيح حتى صاروا كأموات! ولم يكن لديهم أدنى اهتمام بطبيعة العمل الذي أُوكل إليهم، بل كان كل همهم أن يقوموا بالحراسة فقط، إخلاصاً منهم للنسر الروماني الموضوع على الختم، فقد كان هذا الختم شيئاً مقدساً عندهم وأكثر أهمية من كل فلسفة اليهود وعقائدهم. ولم يستطيعوا أن يقولوا إنهم كانوا نائمين لأن هذا يعني حكم الموت عليهم. وكان عليهم أن يعتمدوا على وعد رؤساء الكهنة لهم في استعطافهم للوالي (12) إذاً لا سبيل أمامهم غير ذلك فالحجر قد دُحرج والختم كُسر والجسد غير موجود!

6 – ظهورات المسيح:

يقول كلايف لويس إن الحقيقة الأولى في التاريخ المسيحي هي أن بعض الناس رأوا القيامة. ولو أنهم ماتوا دون أن يخبروا بما رأوه لما كُتبت الأناجيل التي تحمل الأخبار السارة لنا (18).

وقد هاجم البعض قصص ظهورات المسيح باعتبار أنها قصص خيالية، ولكن النقَّاد اليوم لا يستطيعون أن يقولوا ذلك، فقد ظهر المسيح مرة لأكثر من 500 شخصاً. ولنفكر في شخصية الأشخاص الذين ظهر لهم المسيح من رجال ونساء. إنهم قدموا للعالم أسمى المقاييس الأخلاقية، وعاشوا بشهادة أعدائهم في مستوى المقاييس التي علَّموا بها. فكِّرْ في جماعة من الجبناء المتكّورين في عِلية وقد تغيّروا فجأة إلى شُجعان أبطال لم تستطع كل الاضطهادات أن تسكتهم. فهل نعزو سرّ هذا التغيير إلى خيال أو كذب!

كان الذين تحدثوا عن ظهورات المسيح شهود عيان، أعلنوا ما رأوه لمعاصريهم الذين عاينوا كل شيء. ويقول بولس إن المسيح ظهر لأكثر من 500 أخ أكثرهم باقٍ إلى وقت ما كتبه بولس (سنة 56 م) (1 كورنثوس 15: 6). لقد كان من السهل جداً أن يدحض أحدهم هذا الكلام لو أنه كان غير صحيح.

ولو لم تكن القيامة قد حدثت فإن بولس يكون قد خدع الرسل وهو يقول لهم إن المسيح قد ظهر له! ويكون الرسل قد خدعوا بولس وهم يقولون له إن المسيح قد ظهر لهم!

وهاك قائمة بظهورات المسيح بعد قيامته:

1 – لمريم المجدلية (يوحنا 20: 14 ، مرقس 16: 9).

2 – للنسوة الراجعات من القبر (متى 28: 9 ، 10).

3 – لبطرس قرب نهاية يوم القيامة (لوقا 24: 34 ، 1 كورنثوس 15: 5).

4 – لتلميذي عمواس (لوقا 24: 13 – 33).

5 – للرسل في غياب توما (يوحنا 24: 36 – 43 ، يوحنا 20: 19 – 24).

6 – للرسل في حضور توما (يوحنا 20: 26 – 29).

7 – لسبعة عند بحيرة طبرية (يوحنا 21: 1 – 23).

8 – لأكثر من خمسمائة أخ (1 كورنثوس 15: 6).

9 – ليعقوب (1 كورنثوس 15: 7).

10 – للأحد عشر (متى 28: 16 – 20 ، مرقس 16: 14 – 20: لوقا 24: 33 – 52 ، أعمال 1: 3 – 12).

11 – وقت الصعود (أعمال 1: 3 – 12).

12 – لبولس (أعمال 9: 3 – 6 ، 1 كورنثوس 15: 8).

13 – لاستفانوس (أعمال 7: 55).

14 – لبولس في الهيكل (أعمال 22: 17 – 21 ، 23: 11).

15 – ليوحنا في جزيرة بطمس (رؤيا 1: 10 – 19).

7 – صمت الأعداء:

لم ينْفِ الأعداء قيامة المسيح، بل ظلوا صامتين.

يسجل لنا لوقا عظة بطرس يوم الخمسين (أعمال 2) ولكن أحداً من اليهود لم يقاوم بطرس، ولا نفى ما أعلنه عن قيامة المسيح، لأن البرهان كان واضحاً في القبر الفارغ لكل من يريد أن يرى!

وفي أعمال 25 نرى بولس سجيناً في قيصرية، وجلس فستوس على كرسي الولاية وأمر أن يؤتى ببولس. فلما حضر وقف حوله اليهود الذين كانوا قد جاءوا من أورشليم، وقدَّموا على بولس دعاوي كثيرة وثقيلة لم يقدروا ْأن يبرهنوها. لكن ما هو الذي ضايق اليهود في شهادة بولس؟ وما هو الذي لم يقدروا أن يبرهنوه؟ إن فستوس يوضح الأمر للملك أغريباس، فيقول: كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ مَسَائِلُ مِنْ جِهَةِ دِيَانَتِهِمْ، وَعَنْ وَاحِدٍ اسمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ، وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ (أعمال 25: 19) لم يقدر اليهود أن يفسّروا سرّ القبر الفارغ! لقد اتّهموا بولس بمسائل كثيرة، ولكنهم صمتوا عن إثارة موضوع القيامة أمام شهادة القبر الفارغ.

إن سكوت اليهود يتحدث بصوت أعلى من كلام المسيحيين على صدق القيامة. لقد كانت قصة القيامة أضعف ما في المسيحية، وكان يمكن للأعداء أن يُصيبوها في مقتل، لو أن القيامة لم تكن قد حدثت حقاً. ولكن الأعداء ظلوا صامتين من جهتها. كان يمكنهم أن يحطموا الكنيسة والمسيحية بمهاجمة أكبر عقائدها، لكنهم لم يفعلوا. لقد ضربوا المسيحيين وجلدوهم وقتلوهم بسبب إيمانهم، وكان من الأسهل أن يقارعوا حجتهم بحجة أقوى! ولكنهم لم يفعلوا. ولا شك أن اليهود بذلوا جهدهم في فحص القبر وموضوع القيامة. ولو وجدوا لهم منفذاً لدحض هذه الحقيقة لسجَّلوها وحفظوها لتظل حجَّة في أيديهم. إن سكوت الأعداء شهادة بالقيامة لا تقلّ عن شهادة الرسل.

وفي أماكن أخرى لاقت فكرة القيامة السخرية، ولكنها لم تلاق الهجوم العاقل التاريخي. في أثينا مثلاً عندما تحدث بولس عن المسيح، لم يكن لدى سامعيه ما يقاومون تعليمه به: وَلَمَّا سَمِعُوا بِا لْقِيَامَةِ مِنَ الْأَمْوَاتِ كَانَ الْبَعْضُ يَسْتَهْزِئُونَ (أعمال 17: 32) لقد سخروا لأنهم لم يقدروا أن يفهموا كيف يقوم ميت، ولم يحاولوا مجرد الدفاع عن موقفهم، ولسان حالهم يقول: لا تربكني بهذه الحقائق، فإن عقلي قد تجمد على ما فيه .

لماذا لاقى بولس عدم إيمان في أثينا، على خلاف ما لاقى في أورشليم؟ الجواب: إن القبر الفارغ كان موجوداً في أورشليم لكل من يريد أن يفحص الحقائق، لكن برهان القبر الفارغ كان بعيداً عن أثينا. ولم يهتم سامعو بولس في أثينا أن يفحصوا ويتحرُّوا، واكتفوا بالاستهزاء. وهذا في رأينا قمة الانتحار الفكري!

وفي موقف آخر لبولس أمام الملك أغريباس والوالي فستوس في وسط حشد عظيم في قيصرية، أعلن بولس: َأَنَا لَا أَقُولُ شَيْئاً غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ الْأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى,,, الْمَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَّوَلَ قِيَامَةِ الْأَمْوَاتِ,,, نُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلْأُمَمِ . قَالَ فَسْتُوسُ: أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ! الْكُتُبُ الْكَثِيرَةُ (بمعنى لكثرة ما درست) تُحَّوِلُكَ إِلَى الْهَذَيَانِ . فَقَالَ: لَسْتُ أَهْذِي أَيُّهَا الْعَزِيزُ َسْتُوسُ، بَلْ أَنْطِقُ بِكَلِمَاتِ الصِّدْقِ وَالصَّحْوِ. لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ هذِهِ الْأُمُورِ، عَالِمٌ الْمَلِكُ (أغريباس) الّذِي أُكَلِّمُهُ جِهَاراً، إِذْ أَنَا لَسْتُ أُصَدِّقُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذ لِكَ، لِأَنَّ هذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ. أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِا لْأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ . فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً (أعمال 26: 23 – 28).

لقد تحدث بولس هنا عن يسوع والقيامة (أعمال 26: 23) ولم يقدم أحد من السامعين دليلاً ضد القيامة، ولكنهم سخروا من بولس وقال فستوس إنه يهذي. وقال بولس إن كلماته صاحية واعية صادقة، وإن ما يحكيه عن القيامة لم يحدث في زاوية، بل على رؤوس الأشهاد، فقد كان بولس يتكلم في قيصرية القريبة من أورشليم، وكان الجميع قادرين على التأكد بأنفسهم من قبر المسيح الفارغ.

سادساً – حقائق ثابتة عن القيامة

1 – حقائق تاريخية ثابتة:

القبر الفارغ شهادة صامتة لقيامة المسيح، لم يقدر أحد أن يدحضها، فلا اليهود ولا الرومان استطاعوا أن يجيئوا بجسد المسيح أو يوضّحوا أين ذهب. كل ما فعلوه أنهم رفضوا أن يؤمنوا، لا لنقص الأدلة، بل لسوء النيَّة. لقد كانت مشكلتهم مشكلة إرادة تمنع الإيمان، لا مشكلة عقل يحتاج إلى براهين ليقتنغ بالإيمان.

لقد قام المسيح من قبره، وتركه فارغاً. ثم ظهر للكثيرين من أتباعه معاً وعلى انفراد.. هذه شهادة تاريخية صادقة!

2 – حقائق سيكولوجية ثابتة:

إن التغيُّر الهائل الذي حدث في حياة تلاميذ يسوع هو أكبر برهان على القيامة، فقد كان من المستحيل عليهم أن يصرُّوا على تأكيد الحقائق التي رووها لو لم يكن المسيح قد قام من الأموات فعلاً، ولو لم يتأكدوا من هذا تأكيداً جازماً قوياً. ولا نجد في ملاحم الحروب قصصاً تعادل في قوتها قوة شجاعة التلاميذ وصبرهم وبطولتهم وهم يعلنون صدق القيامة محتملين الاضطهاد والموت.

وهل يمكن أن هؤلاء الرسل الذين غيَّروا قيم العالم الأخلاقية، يكونون كذابين؟ وهل يحتملون كل ما احتملوا من تعذيب من أجل كذبة اخترعوها؟

تعال نراقب التغيير الذي جرى في حياة يعقوب أخي الرب الذي لم يكن قبل القيامة يؤمن برسالة أخيه. وبعد القيامة انضم إلى التلاميذ في الكرازة بقيامة يسوع، وكتب في رسالته يقول: يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللّهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (يعقوب 1: 1) والسر الوحيد لتغيير هذه الحياة هو ما ذكره بولس من أن المسيح المقام ظهر ليعقوب! (1 كورنثوس 15: 17).

وتعالوا نراقب توما وهو يحسب أن موت المسيح موت لملكوته، فقال: لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ (يوحنا 11: 16). لم يكن عند توما إيمان في قيامة المسيح، فلا يمكن أن الذي يقترح أن يموت مع شخص آخر، يتوقع أن يرى هذا الشخص حياً بعد ساعات قليلة. كان توما يعلن نهاية ثقته العقلية بحياة المسيح.. بالنسبة له: مات المسيح ومات ملكوته، فليمُت معه تلاميذه! إنه اليأس!!

ولكن توما ركع عند قدمي المسيح قائلاً: ربي وإلهي (يوحنا 20: 28) لقد رأى المسيح المقام، فتغيَّر تماماً وظل يكرز بالإنجيل إلى أن مات شهيداً.

وهاك وصفاً للتغيير الذي جرى في حياة الرسل، بعد القيامة:

في يوم الصلب امتلأوا جميعهم بالحزن، وفي اليوم الأول من الأسبوع امتلأوا جميعاً بالفرح. في يوم الصلب ملكهم اليأس، وفي اليوم الأول من الأسبوع ضاءت قلوبهم باليقين والرجاء. وعندما جاءتهم رسالة القيامة، أول ما جاءت، كانوا مكذِّبين من العسير إقناعهم.. أما وقد تأكدوا من القيامة فقد استحالت شكوكهم يقيناً. فما الذي أجرى هذا التغيير المذهل في حياتهم في مثل هذا الوقت القصير؟ لو أنهم نقلوا الجسد من القبر ما كان يمكن أن يحدث لهم هذا كلَّه. فإن الخرافات تحتاج لوقت طويل جداً لتتأصَّل.. هذه حقيقة سيكولوجية تستلزم تفسيراً لما حدث!

فكِّرْ في هؤلاء الرجال والنساء، الذين أعطوا العالم أسمى تعاليمه الأخلاقية، والذين طبقوا ما تعلموه في حياتهم، بشهادة أعدائهم.. فكر في جماعةمغمورة من التلاميذ المهزومين الجبناء، المتكّوِرين في علية مغلقة الأبواب، وقد تغيَّروا إلى شجعان لا يُسكتهم الاضطهاد. هل يمكن أن كذبة مصطنعة تُحدث فيهم كل هذا التغيير المذهل؟!

ولا زال هذا التغيير يحدث اليوم، فإن المسيح خلال تسعة عشر قرناً يُجري التغيير نفسه، وهذا برهان صادق يجعلنا نؤمن بالقيامة. إنه برهان ذاتي يشهد للحقيقة الموضوعية أن المسيح قد قام في اليوم الثالث، لأن يسوع الحي وحده هو القادر على إحداث مثل هذا التغيير.

3 – حقائق سوسيولوجية (اجتماعية) ثابتة:

حدثت تغييرات في المجتمع لا يمكن حدوثها بدون قيامة المسيح، أولها تأسيس مؤسسة هي الكنيسة، وجَعْل يوم الأحد يوم العبادة، وممارسة المؤمنين للعشاء الرباني والمعمودية.

(ا) الكنيسة مؤسسة مسيحية:

نتيجة لوعظ التلاميذ عن القيامة تأسّست الكنيسة المسيحية:

فَيَنْبَغِي أَنَّ الرِّجَالَ الّذِينَ اجْتَمَعُوا مَعَنَا كُلَّ الّزَمَانِ الّذِي فِيهِ دَخَلَ إِلَيْنَا الرَّبُّ يَسُوعُ وَخَرَجَ، مُنْذُ مَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا إِلَى الْيَوْمِ الّذِي ارْتَفَعَ فِيهِ عَنَّا، يَصِيرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَاهِداً مَعَنَا بِقِيَامَتِهِ (أعمال 1: 21 ، 22).

هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ. اَلَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ (أعمال 2: 23 ، 24).

(راجع الشواهد التالية التي تظهر إعلان التلاميذ للقيامة كأساس قامت عليه الكنيسة المسيحية: أعمال الرسل 2: 31 ، 32 ، 3: 14 و15 و26 ، 4: 10 ، 5: 30 ، 10: 39 – 41 ، 13: 29 – 39 ، 17: 30 و31 ، 26: 22 ، 23).

ولا يمكن تفسير قيام الكنيسة بغير الإيمان بالقيامة، فقد لقي التلاميذ الأولون أمرَّ الاضطهاد والتعذيب والموت من اليهود والرومان بسبب إيمانهم لأنهم عرفوا أن ربهم قد قام من القبر.

ولقد كان تعليم القيامة أساس الإيمان المسيحي، فتعليم الكنيسة عن الخلاص يرسو على القيامة، فإنْ لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم هكذا قال بولس! وبفضل هذا الإيمان بالمسيح المقام سمت المسيحية على اليهودية، وانتشرت في كل العالم.

لم تتأسس الكنيسة سنة 32 م بالصدفة، لكن بسبب محدد. ولقد قيل عن أعضاء الكنيسة الأولى في أنطاكية إنهم فتنوا المسكونة (أعمال 17: 6) وكان سبب كل هذا التأثير هو القيامة!

ولو أن حياة المسيح انتهت بالصليب لاستحال أن تنتشر المسيحية، ولما تأسست الكنيسة على أساس أن المسيح هو المخلّص المنتظر، فإن المسيا المصلوب فحسب، لا يمكن أن يخلص. لقد تعيَّن (أي تَبَرهْن) أن المسيح ابن اللّه بقوة القيامة من الأموات (رومية 1: 4).

ولو لم يقم المسيح لصار مجرد نبي صالح لقي حتفه، ولما تأسست كنيسته!

?tf=”PC738(ب) يوم الأحد يوم عبادة:

كان يوم السبت هو يوم العبادة عند اليهود، لأن اللّه استراح فيه من عمل الخليقة. وكان حفظ السبت وصية من الوصايا العشر، وأحد الأعمدة الهامة في الديانة اليهودية. وكان تقديس السبت من أهم مظاهر حياة اليهود.

وقد اجتمع المسيحيون للعبادة يوم الأحد، تذكاراً لقيامة المسيح يوم الأحد، وغيَّر المسيحيون تقليد العبادة يوم السبت، رغم رسوخه عصوراً طويلة بالعقيدة والممارسة. فإذا عرفنا أن الرسل كانوا يهوداً، لرأينا مقدار الجهد الذي تطلَّبه الأمر لتغيير يوم العبادة بالنسبة لهم. وكيف نجد تفسيراً لتغيير يوم السبت بيوم الأحد إلا بالقيامة؟ لقد كان التلاميذ الأولون يهوداً متمسّكين بالسبت، ولا يمكن تغيير هذا التمسُّك العقائدي والاجتماعي إلا بسبب أقوى، وهو القيامة!

(ج) فريضتان جديدتان:

1 – فريضة العشاء الرباني (أعمال 2: 46 ، متى 26: 26 ، مرقس 14: 22 ، لوقا 22: 19 ، 1 كورنثوس 11: 23 و24).

العشاء الرباني تذكار لموت المسيح، لكنهم كانوا يمارسونه بفرح! (أعمال 2: 46) فكيف نفسّر فرحهم بموت المسيح إلا بالقيامة؟ لقد كانت وليمة العشاء السابق للصلْب ألماً لا يُحتمل للتلاميذ، ولكننا نجدها في العشاء الرباني مصدر فرح. كيف حدث هذا التغيير؟

الإجابة: إنهم لم يحتفلوا بالمصلوب فقط، لكن بالمقام أيضاً، الذي ينتظرون مجيئه ثانية (1 كورنثوس 11: 26). وعندنا عبارة قصيرة بالأرامية كانوا يتلونها وقت ممارسة العشاء الرباني تقول: ماران أثا أي أيها الرب تعال (1 كورنثوس 16: 22). هذا يعني أنهم عرفوا أن المسيح المصلوب قام، وأنه سيجيء مرة أخرى.

2 – فريضة المعمودية (كولوسي 2: 12 ، رومية 6: 1 – 6).

اختلف المسيحيون عن اليهود في أن اليهود مارسوا الختان، بينما مارس المسيحيون المعمودية، حسب أمر المسيح. وكان على كل إنسان أن يموت عن خطاياه ويؤمن بالمسيح المقام، ثم يتعمَّد. ويقول بولس إن المؤمن في المعمودية يتحد بالمسيح، فيموت معه ويقوم معه. فعندما يُوضع في الماء يموت ويُدفن مع المسيح وعندما يخرج من الماء يكون قد قام مع المسيح . ولا يوجد في المسيحيةما هو أقدم من هاتين الفريضتين، وكلتاهما مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً بموت المسيح وقيامته، ولم يكن ممكناً وجودهما في الكنيسة لو لم يكن المسيح قد قام، فهما شاهدان دائمان على قيامة المسيح، التي قامت عليها الكنيسة.

لقد كان أوائل المؤمنين بالمسيحية من أصل يهودي، واليهود معروفون بتمسُّكهم الشديد بشريعة دينهم. لكن هؤلاء المسيحيين الأولين أبدلوا السبت، يوم عبادتهم بالأحد، احتفالاً بقيامة المسيح. وفي يوم الأحد احتفلوا بالعشاء الرباني، لا ذكرى لموت المسيح فقط، بل شكراً على البركات التي يغدقها عليهم المسيح الحي أيضاً. أما المعمودية فإعلان للدفن مع المسيح وللقيامة معه (كولوسي 2: 12).

لقد أضْفَت القيامة معناها على كل ما فعله التلاميذ.

سابعاً – نظريات فاسدة ضد القيامة

نقدم هنا النظريات التي هاجمت قيامة المسيح وحاولَتْ أن تنقضها. وسنقدم كل نظرية مع الرد عليها.

وقد تبدو إحدى النظريات وجيهة، ولكننا عندما ندرس قصة القيامة ككل تنهار تلك النظرية، ذلك أن القيامة حادثة تاريخية، كما أوضحنا.

1 – نظرية الإغماء:

لم يمت المسيح على الصليب، لكن أُغمى عليه فقط. وعندما وُضع في قبر يوسف الرامي كان حياً، وبعد بضع ساعات، في هواء القبر البارد، قام وخرج من القبر .

أول من نادى بهذه النظرية رجل اسمه فنتوريني منذ نحو قرنين. وتنشرها في هذه الأيام طائفة الأحمدية التي مركزها لندن. وتقول النظرية إن المسيح سُمر على الصليب فعلاً، وإنه قاسى جداً من الصدمة ونزيف الدم والألم، فأُغمى عليه، ولكنه لم يمت. ولما كانت المعرفة الطبية في ذلك الوقت محدودة فقد حسبوه مات، حتى أن بيلاطس اندهش من موته السريع . وأنزلوه من الصليب باعتبار أنه مات ثم وضعوه في القبر. وهناك بعد الراحة والبرودة أفاق وخرج من قبره. وقد ظن تلاميذه الجهلة أنه قام من الأموات، ولم يفطنوا لحقيقة ما حدث. ويقولون إن رائحة الأطياب التي وُضعت وسط الأكفان ساعدت على إفاقته!

وللرد على هذه النظرية نقول:

1 – إن المسيح مات فعلاً على الصليب بشهادة العسكر الرومان، ويوسف ونيقوديموس.

أليس غريباً أن هذه النظرية لم تخطر ببال أحد من معاصري الصلب، أو من جاءوا بعدهم طيلة القرون السابقة، رغم مقاومتهم الشديدة للمسيحية؟ إن كل السجلات القديمة تشهد أن المسيح مات فعلاً.

قاسى المسيح الآلام التالية قبل الصلب: الحزن العميق في البستان، القبض عليه في منتصف الليل، المعاملة الوحشية في دار رئيس الكهنة وفي دار الولاية، الرحلة المضنية بين بيلاطس وهيرودس والعودة، الجلد الروماني الرهيب، السير إلى الجلجثة، الوقوع تحت حمل الصليب، عذاب الصلب المخيف، العطش والحمى على الصليب. لقد كان كثيرون من المصلوبين يموتون في أثناء عملية الصلب لفرط التعذيب. لذلك لا يمكن مطلقاً افتراض أن المسيح يمكن أن يحتمل كل هذا الألم ويبقى حياً، رغم ضعفه ورقته (12).

هل كان يمكن أن يحتمل المسيح عذاب الساعات الست وهو معلق على الصليب والمسامير تمّزق يديه وقدميه، ثم يصرخ ويسلّم الروح، ثم يطعنه عسكري روماني بالحربة في جنبه، ويوضع في قبر مغلق، ثم يقوم بعد هذا كله في اليوم الثالث ليظهر للتلاميذ بكل الحيوية والقوة؟

هل يمكن بعد إغمائه أن يُطعن بالحربة في جنبه للتأكّد من موته، ثم يضعونه في قبر حجري مغلق، في وقت الفصح الذي فيه تشتد البرودة ليلاً في فلسطين، بدون علاج لجروحه، ملفوف في قماش ملتصق بالأطياب، ثم يفيق بعد ذلك؟

إننا نحسب أن هذه كلها كانت تؤدي إلى موته، ولو أنه كان مغمى عليه عندما دُفن!

وكيف كان يقوم من إغمائه، ضعيفاً، مجروح القدمين ليفكَّ الأكفان المربوطة بإحكام حوله والمثقلة بنحو سبعين رطلاً من الأطياب، وليزحزح الحجر الضخم عن القبر، الذي قلقت ثلاث نسوة من زحزحته، ثم يمشي المسافات الطويلة على قدميه الجريحتين من المسامير الغليظة؟ وكيف للجريح الجائع المنهك القُوى أن يهرب من الجنود الرومان الذين يحرسون القبر، وكيف يظهر في نفس اليوم لتلاميذه بالصورة القوية التي شدَّت ولاءهم وعبادتهم؟

وكيف كان يصرف أربعين يوماً في فلسطين مختبئاً معظم الوقت، يظهر خلالها لتلاميذه على غير انتظار منهم، ويرسلهم ليحملوا رسالته للعالم كله، ويعدهم بأنه معهم كل الأيام إلى انقضاء الدهر، ثم يرونه بعيونهم صاعداً عنهم إلى السماء!!

لم يشكّ اليهود والجنود الرومان والجموع المحتشدة حول الصليب في أنه مات. واندهش بيلاطس من سرعة موته، لكن قائد المئة أكّد له أنه مات. وعندما طعنه الجندي بالحربة في جنبه لم يتحرك الجسد، بل خرج دم وماء، علامة موته الأكيد منذ فترة. ولم يشكّ أعدى أعدائه (شيوخ اليهود) في أنه مات. شكوا في أن تلاميذه قد يسرقون جسده، ولكنهم لم يشكوا في حقيقة موته وهم يشاهدونه يسلم الروح. ثم جاء أحباؤه وأنزلوه من على الصليب، دون أن تبدو منه حركة، مثلما لم تَبْدُ منه حركة عند طعنه بالحربة، بل رقد مائتاً بين أذرعهم فرفعوه وحملوه بعيداً ولفّوه بالأكفان ووضعوه في القبر!… فهل نصدق أن المسيح الكامل يخدع تلاميذه والعالم كله، قائلاً إنه قام، بينما هو في الحقيقة قد أفاق فقط؟! إن هذا أبعد احتمالاً من حقيقة القيامة نفسها!

2 – لم يَرَ التلاميذ أن المسيح قد أفاق من مجرد إغماء!

لسنا نظن أن شخصاً تسلل من قبره في ضعف وإنهاك، وفي حاجة ماسة إلى علاج طبي وتضميد لجروحه، وفي أشد الحاجة إلى فترة للنقاهة، يقدر أن يؤثّر على تلاميذه بأنه قاهر الموت والقبر، وأنه رئيس الحياة، ثم يرسلهم بسلطان لكي ينشروا رسالته في العالم كله! ما كان يمكن لمثل هذا الواهن الجريح أن يبدّل حزن تلاميذه إلى حماسة، ويرفع احترامهم له إلى درجة العبادة! هذا الاقتباس هو من كلمات دافيد فردريك ستراوس الذي لا يؤمن بالقيامة! قاله وهو ينفي نظرية الإِغماء! (19).

عندما ظهر المسيح لتلاميذه في العلّية كانوا خائفين، وقد أخذوا يعدّون العدَّة للرجوع لأعمالهم الأولى التي كانوا يزاولونها قبل التعرُّف عليه.. وحالما رأوه امتلأوا بالفرح والشجاعة والحيوية، وقرروا الاستمرار في التلْمذة له، ونشر رسالته. فهل كان يمكن أن المسيح الجريح الضعيف يبعث فيهم كل هذا الحماس؟

وهناك فكرة أخرى: إن الذين يقولون إن المسيح أفاق من إغماء، ولم يمت، لا بد أن يقولوا إنه كان قادراً على إجراء معجزة أخرى هي التخلُّص من الأكفان التي كانت تلفّ جسده بقوة حول كل ثنيات جسده. وكانت الأطياب مواد لاصقة تلصق الأكفان ببعضها وبالجسد. ولكن الأكفان بقيت ملتصقة بهيئتها الأولى بعد أن انسحب الجسد منها. ولقد زحزح صاحب الجسد الضعيف الحجر الثقيل، وخرج دون أن ينتبه العسكر أو ينزعجوا، ثم خطا فوقهم ومشى! ولا بد أن معجزة حدثت حتى أن هذا المغمى عليه، الذي أفاق، يسير على قدميه إلى قرية عمواس التي تبعد عشرة كيلو مترات عن أورشليم! (لوقا 24: 13).

لقد سار المسيح على قدميه، اللتين ثقبتهما المسامير، من أورشليم إلى عمواس، ثم اختفى عن التلميذين وسبقهما ليقابل باقي التلاميذ في علية أورشليم. فهل يمكن لمغمى عليه أفاق أن يفعل هذا كله؟

لو أننا صدقنا نظرية إفاقة المسيح من إغماء، لوجب أن نحذف من الأناجيل قصة القيامة والصعود، فلا بد أن المسيح اختفى عن تلاميذه ليموت بعد ذلك بعيداً عنهم جميعاً. فالذي أفاق من إغماء لا بد سيواتيه الموت بعد ذلك.

ولو أن هذه النظرية صَدَقت لكان التلاميذ مخدوعين، يموتون لأجل إيمان بمسيح مخادع مختفٍ عنهم حتى يواتيه أجَلَهُ!

ثم: أليس غريباً أن شخصاً يؤلّف نظرية في القرن الثامن عشر يفسّر بها القبر الفارغ؟! لقد انهارت نظريته ولم يعُدْ أحدٌ يأخذ بها.

2 – نظرية السرقة:

سرق تلاميذ المسيح جسده وقالوا إنه قام! .

ويسجل متى منشأ هذه النظرية فيقول: قَوْمٌ مِنَ الْحُرَّاسِ جَاءُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرُوا رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ بِكُلِّ مَا كَانَ. فَا جْتَمَعُوا مَعَ الشُّيُوخِ، وَتَشَاوَرُوا، وَأَعْطَوُا الْعَسْكَرَ فِضَّةً كَثِيرَةً قَائِلِينَ: قُولُوا إِنَّ تَلَامِيذَهُ أَتَوْا لَيْلاً وَسَرَقُوهُ وَنَحْنُ نِيَامٌ. وَإِذَا سُمِعَ ذ لِكَ عِنْدَ الْوَالِي فَنَحْنُ نَسْتَعْطِفُهُ، وَنَجْعَلُكُمْ مُطْمَئِنِّينَ . فَأَخَذُوا الْفِضَّةَ وَفَعَلُوا كَمَا عَلَّمُوهُمْ، فَشَاعَ هذَا الْقَوْلُ عِنْدَ الْيَهُودِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ (متى 28: 11 – 15).

وتتضح من كتابات جستن الشهيد وترتليان وغيرهما أن هذه النظرية كانت منتشرة بين اليهود، ففي محاورة جستن وتريفو رقم 108 نقرأ حديث اليهود عن واحد اسمه يسوع، جليلي مخادع صُلب، ولكن تلاميذه سرقوا جسده ليلاً من القبر الذي وضعوه فيه بعد إنزاله من على الصليب. وأعلن التلاميذ أنه قام ثم صعد إلى السماء (12).

وفي دفاع ترتليان رقم 21 يقول: وُجد القبر فارغاً إلا من الأكفان. ولكن شيوخ اليهود الذين أرادوا إخضاع الناس لأفكارهم، نشروا الكذبة التي تقول إن تلاميذه سرقوه، أو أن البستاني أخفى الجسد حتى لا يجيء الزّوَار ويدوسوا على الخسّ الذي كان يزرعه في البستان! .

وفي كتابة يهودية من العصور الوسطى أن التلاميذ سرقوا الجسد قبل دفنه، ثم أدُّوا تمثيلية القبر الفارغ، وأجَّلوا إعلان القيامة خمسين يوماً حتى يتحلل الجسد تماماً (12).

وللرد على هذه النظرية نقول:

1 – لا زلنا محتاجين لتفسير لحقيقة القبر الفارغ!

خلا القبر بفضل معجزة إلهية أو بعمل يد بشرية. ولم يكن لأعداء يسوع مصلحة في نقل الجسد، ولم يكن لأصدقاء يسوع قدرة على نقله. وكان من مصلحة المسئولين في الحكومة أن يبقى الجسد حيث هو. وسرقة التلاميذ لجسد المسيح مستحيلة، فلا بد أن يد اللّه هي التي تدخَّلت لتجعل القبر فارغاً!

ويقول لي كامو: إن كان يسوع قد وُضع في القبر يوم الجمعة ولم يُوجد به يوم الأحد، فإنه يكون إما قد نُقل أو أنه خَرَجَ من القبر بقوة نفسه! ولا يوجد بديل ثالث. فهل نُقل؟ من نقله: أعداؤه أم أصدقاؤه؟ إن الأعداء أحاطوا الجسد بالعسكر ليحفظوه داخل القبر، فليس لهم مصلحة في نقله، بل إن نقله يرّوج أكثر لفكرة قيامته التي سيخترعها التلاميذ. ولذلك فإن بقاءه في القبر يساعد أعداء المسيح على القول: هذه هي جثته… إنه لم يقم .

أما عن أصدقائه فإنهم لم يملكوا القوة ولا النية على نقله (20).

ولم يستطع الجنود أن يعطوا تفسيراً للقبر الفارغ، فرشاهم رجال السنهدريم ليرّوجوا كذبة سرقة التلاميذ للجسد وهم نيام!

2 – سرقة التلاميذ للجسد شرح غير معقول للقبر الفارغ.

(ا) لم يناقش أحدٌ العسكرَ في تفسيرهم للقبر الفارغ أن التلاميذ سرقوا الجسد وهم نيام، فإن رؤساء اليهود استعطفوا الوالي، فلم يعاقب العسكر (متى 28: 11).. ولكن الحقيقة هي أن العسكر قدموا أعظم برهان على القيامة، فإنهم لم يكذبوا وهم يخبرون الكهنة بما رأوه: لقد صدَّق شيوخ اليهود العسكر، وكان عليهم أن يجدوا تعليلاً لسر القبر الفارغ، بدون مناقشة لهم.

(ب) اتخذ اليهود والرومان احتياطات كثيرة حتى لا يُسرَق القبر. وكانت هذه الاحتياطات عقبات في طريق التلاميذ، إن هم أرادوا أن يسرقوا القبر. قال اليهود لبيلاطس إنهم يخافون من خدعة جديدة هي القيامة، وعندنا كل الدليل على أنهم بذلوا الجهد ليمنعوا التلاميذ من سرقة الجسد.. وهذا في حدّ ذاته دليل على أن التلاميذ لم يحاولوا سرقة الجسد، فكيف لجماعة الصيادين اليهود البسطاء أن يهاجموا الجنود الرومان المسلَّحين؟

(ج) إن جُبْن التلاميذ برهان على عجزهم عن مهاجمة الجنود الرومان لسرقة الجسد، فلم يكن مزاجهم النفسي يسمح لهم بعمل شيء من هذا. لقد هربوا عند محاكمة المسيح، وبعد صلبه اختبأوا في علّية.. فكيف يجرؤون على سرقة جسده؟ لقد أنكر قائدهم، بطرس، المسيح وحلف ولعن أنه لا يعرفه، وذلك حتى يَخْلُص بجلده من اتّهام جارية، فماذا جرى لبطرس بعد ساعات قليلة ليجعله يهاجم الحراس؟ لقد أنكر ثلاث مرات أنه يعرفه! فكيف يعرض نفسه لموت أكيد لو أنه هاجم الحراس، وبخاصة بعد أن مات المعلّم وضاعت كل آمالهم في أنه المسيا؟

إن مجرد التفكير في سرقة الجسد لم يحدث، بسبب المزاج النفسي الذي كان التلاميذ فيه.

(د) لو أن العسكر كانوا فعلاً نائمين، فكيف عرفوا أن الذين سرقوا الجسد هم التلاميذ؟!

قال القديس أغسطينوس: إنهم إما كانوا نائمين أو مستيقظين. فلو كانوا مستيقظين لما سمحوا بسرقة الجسد. ولو كانوا نائمين لما استطاعوا أن يحكموا بأن الجسد قد سُرق وأن سارقيه هم التلاميذ، فإن النائم لا يدري بما يحدث من حوله! إنها أكذوبة تهدم نفسها، إذ أن نصفها الأول يكذّب نصفها الثاني، لأن الحراس النائمين لا يمكنهم معرفة ما حدث.

لقد كان العذر الذي ساقه العسكر عذراً سخيفاً، فكيف ينام كل الحراس؟ وكيف ينامون كلهم ونوبة الحراسة هذه هامة لأن هناك تحذيراً مسبقاً من احتمال سرقة الجسد؟

إن القصة التي قدّمها العسكر عن سرقة الجسد كانت سخيفة حتى إن متى لم يشأ أن يردّ عليها! إن شهادة العسكر بسرقة التلاميذ لجسد المسيح تنفيها اعترافاتهم بأنهم كانوا نائمين.

(ه-) لم يكن ممكناً أن ينام كل الحراس، لأن هذا يعني توقيع حكم الإعدام عليهم. لقد كان الإعدام حكماً على الجندي الذي ينام في نوبة حراسته، فهل يقبل الحراس رشوة تكلّفهم حياتهم؟! الذي حدث أنهم أخذوا الرشوة، وذهبوا إلى قائدهم وقالوا له الحق! وهل كنا ننتظر منهم أن يفعلوا غير ذلك؟ يضحكون على الكهنة ويأخذون رشوتهم، ويخبرون الوالي بما حدث فعلاً!

وسؤال آخر: لو أن الوالي عرف أن التلاميذ سرقوا الجسد ليلاً في أثناء نوم الحراس، فلماذا لم يُحضر التلاميذ ليجري التحقيق معهم؟ إن كسر الختم الروماني معناه الموت! فلماذا لم يحكم الوالي على التلاميذ بالموت صلباً؟ أو لماذا لم يجبرهم على إحضار الجسد الذي سرقوه!؟

(و) لقد كان الحجر كبيراً جداً، فحتى لو أن الحراس كانوا نائمين لاستيقظوا على صوت دحرجة الحجر. إن محاولة التلاميذ دحرجة الحجر الكبير وكسر الأختام وأخذ الجسد كانت تُحدث ضوضاء كافية لإيقاظ بعض العسكر على الأقل!

(ز) إن بقاء الأكفان في حالتها، برهان صامت على أن أحداً لم يسرق الجسد، فليس لدى السارق الوقت الكافي ليسحب الجسد من بين الأكفان ثم يرتّب الأكفان بالوَضْع الذي كانت عليه! إن الخوف كان يجعلهم يسحبون الجسد من الأكفان بعجلة فيتركون القبر في حالة من الفوضى!

إن الوصف الذي تقدمه الأناجيل لحالة الأكفان يبعث على الدهشة والتساؤل عمن كان يملك الوقت والهدوء والتنظيم ليسحب الجسد من الأكفان، ويُبعد المنديل من على الرأس. والمجرمون لا يتركون مكانهم منظماً لأنهم يخافون من إلقاء القبض عليهم. يقول جريجوري النزينزي الذي كتب منذ 1500 سنة: إن غطاء الرأس (المنديل) الذي كان ملفوفاً في موضع وحده والأكفان الموضوعة بنظام، تُظهر أن خروج الجسد كان في هدوء وراحة، وتدِين فكرة سرقة الجسد . ويقول القديس يوحنا فم الذهب في القرن الرابع: إن الذي يسرق كان سيأخذ الجسد ملفوفاً بأكفانه، لا لكي يستر الجسد العزيز عليه وحسب، بل ليسرع بالجسد ملفوفاً حتى لا يُلقوا القبض عليه. إن المرّ يلصق الكفن بالجسم، فلم يكن هناك وقت لتخليص الجسد من كفنه. إن قصة سرقة الجسد غير معقولة (14). هل فات التلاميذ غضب اليهود وما يمكن أن يفعلوه بهم؟ ثم ماذا يعود على التلاميذ من سرقة الجسد إذا كان معلمهم قد مات ولم يقم من الأموات؟

ويقول جرينليف أستاذ القانون: إن يوحنا وهو يرى الأكفان صدّق أنه قام، فلا يمكن أن عدواً أو صديقاً يترك المكان بمثل الترتيب الذي كان القبر عليه، لو أن جسد المسيح سُرق منه (4).

ويقول هنري لاثام: لم يذكر أحد شيئاً عن الأطياب. لو أن الجسد سُرق، مع ترك الأكفان داخل القبر، لوقعت الحَنوط والأطياب من المرّ والعود على أرضية القبر ومدخله، ولصارت دليلاً على السرقة. ولكن إغفال ذكرها دليل على أنها بقيت بين طيات الأكفان (10).

(ح) لم يكن هناك ما يدعو التلاميذ لسرقة الجسد، فإن الجسد كان يرقد في تكريم في قبره. قام يوسف الرامي تجاه الجسد بالواجب كله، ولم يطلب من التلاميذ نقل الجسد. ولم يكن ممكناً أن هؤلاء التلاميذ الذين عاشوا مع المسيح ثلاث سنوات، يكذبون. كان وسطهم يهوذا الخائن، لكنه كان قد مات منتحراً. أما الأحد عشر فقد كانوا يسمعون وعظ المسيح عن البر والحق. ولم يكن ممكناً أن يجتمع الأحد عشر ليتفقوا على سرقة الجسد والكذب معلنين أنه قام! (3).

(ط) لم يكن التلاميذ قد أدركوا بعد معنى القيامة، فكيف يزّورون فكرة القيامة بالسرقة؟ (أنظر ما جاء في لوقا 24). بل أن التلاميذ اندهشوا عندما عرفوا أنه قام! ومن الواضح أنهم وهم في هذه الحالة ما كانوا ليزّوروا ويخدعوا ليقنعوا الناس بما لم يدركوه بعد!

لقد ملك اليأس قلب التلاميذ حتى أنهم كانوا شبه أموات من الخوف لا يجسرون على الحركة! فهل كان يمكن أن يسرقوا لينشروا فكرة القيامة التي لم يصدّقوا بها؟ وهل كان يمكن أن يحتملوا الاضطهاد الذي وقع عليهم لو أنهم كانوا يعلمون أنهم مخادعون مضلّون لصوص؟ إنهم لم يكونوا يعرفون الكتب التي قالت إنه سيُصلب وفي اليوم الثالث يقوم.

(ي) احتمل التلاميذ كل تعذيب لأجل بشارة القيامة، حتى الموت، ولم يتراجع واحد منهم أمام التعذيب ليعترف أن القصة ملفَّقة! لقد احتملوا كل ضرب وجلد وسجن وجوع وموت دون أن ينكر واحد منهم حقيقة القيامة!

إن ما نعرفه عن شخصيات التلاميذ المستقيمة وأمانتهم الكاملة تجعلنا نستبعد تماماً أن يكذبوا ويسرقوا لينشروا كذبة خلقوها بأنفسهم!

ولو أن بعضهم قاموا بالسرقة وخدعوا زملاءهم لاكتشف الزملاء هذا الخداع ذات يوم، فقد كانوا يعيشون في قرب قريب من بعضهم! إن تعاليم التلاميذ الأخلاقية، ونوعية حياتهم، وثبوتهم في وجه الاضطهاد تجعلنا نرفض فكرة سرقتهم للجسد.

ويقول ولبر سمث إن كثيرين من علماء اليهود يرفضون فكرة سرقة التلاميذ للجسد، بما فيهم كلاوزنر الذي قال إن التلاميذ كانوا أشرف من أن يأتوا بمثل هذه الخديعة (21).

وهل كانت سرقة الجسد تسمح لبطرس أن ينادي رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل بكل شجاعة معلناً أن يسوع قام؟ (أعمال 4: 8 – 12). لقد كان بطرس يعظ بما آمن به في عظته يوم الخمسين، حتى ربح ثلاثة آلاف نفس، فآمنوا بما آمن هو به! ولا يمكن أن يعظ إنسان أكاذيب بمثل هذه القوة! ولقد ظل التلاميذ يكرزون بالقيامة حتى فتنوا المسكونة (أع 17: 6).

لقد مات كل التلاميذ ميتة الاستشهاد – فيما عدا يوحنا – لأنهم أعلنوا أن يسوع قام، والناس يموتون في سبيل ما يؤمنون بصحته، ولا يمكن أن يموتوا لأجل كذبة اخترعوها!

3 – لا يمكن أن يكون اليهود أو الرومان أو يوسف الرامي قد نقلوا جسد يسوع من مكانه، وذلك للأسباب الآتية:

(ا) لا يمكن أن يكون اليهود قد نقلوا الجسد. فبعد سبعة أسابيع كان التلاميذ قد ملأوا البلاد بالكرازة أن يسوع قد قام، حتى تضايق شيوخ اليهود جداً، فإن التلاميذ حمَّلوهم مسئولية صَلْب المسيح، ملك المجد! ولو أن اليهود كانوا قد نقلوا جسد يسوع لأعلنوا هذا بسرعة ودحضوا كذبة التلاميذ! ولنادوا الناس ليروا الجسد. بل لوضعوا الجسد في عربة تجرُّها الجياد وداروا بها في أورشليم. ولو أنهم فعلوا هذا لقتلوا المسيحية في مهدها!

(ب) وكان من مصلحة الحاكم الروماني أن تبقى الجثة في قبرها، فإن بيلاطس كان حريصاً على سلام البلاد، ونقل الجسد يحدث هياجاً – لا داعي له – بين اليهود والمسيحيين. ولو أن بيلاطس كان يعرف مكان الجسد لأعلن ذلك حتى يقتل الفتنة في مهدها! فبيلاطس يريد السلام.

(ج) وما كان يمكن أن ينقل يوسف الرامي الجسد بدون أن يخبر باقي التلاميذ بذلك. فهو تلميذ مختفٍ. ولو أن يوسف نقل الجسد بدون إفادة التلاميذ، لأفادهم بذلك بعد أن سمعهم يقولون إن المسيح قد قام.

وخير ما نختم به ردودنا هنا هو أن نقول إنه لو كانت صعوبة الإيمان بقصة القيامة كما أوردتها الأناجيل كبيرة، فإن سُخْف عدم الإيمان ومنافاته للعقل أكثر صعوبة!!

3 – نظرية الهلوسة:

كانت ظهورات المسيح بعد القيامة خيالات. والذي حدث فعلاً هو مجرد هلوسة من الذين قالوا إنهم رأوا المسيح المقام .

وللرد على هذه النظرية نقول:

قال كلايف لويس في كتابه المعجزات : في أيام المسيحية الأولى وضعوا تعريفاً للرسول بأنه شخص رأى القيامة بعينيه. وبعد أيام قليلة من الصلب رشَّح التلاميذ شخصين ليحلَّ أحدهما محل يهوذا، وكان شرط ترشيح كل منهما أن يكون شاهد عيان للمسيح قبل الصلب وبعده، حتى يشهد للعالم بما رآه من جهة القيامة (أعمال 1: 22). وبعد أيام قليلة من ذلك وقف الرسول بطرس يقول: فَيَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللّ هُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذ لِكَ (أعمال 2: 32). وفي رسالة الرسول بولس الأولى لأهل كورنثوس يقدم بولس ورق اعتماده كرسول على أنه قد رأى المسيح المقام (18).

ولو أن ما رآه الرسل كان مجرد هلوسة، فإن إرساليتهم تكون باطلة من أساسها! ويكون إيماننا المسيحي ظاهرة مَرَضيّة نشرتها جماعة من المرضى العصبيين!

فهل كان ما رآه التلاميذ من ظهورات المسيح مجرد رؤى وخيالات؟

إن تعريف الرؤيا أنها (على حدّ قول وايس) رؤية شيء لا يتمشَّى مع المنظورات الحسّية، فلم تتأثر أعصاب العين بذبذبة ضوئية، ولكنها تأثرت بسبب نفسي داخلي! وفي الوقت نفسه يظن صاحب الرؤيا أن تأثره النفسي الداخلي حقيقة موضوعية واقعية (3).

فهل كان ما رآه التلاميذ رؤى لا يسندها الواقع؟

إن وصف العهد الجديد ينفي هذه النظرية. ويقول هلير ستراتون إن المهلوسين لا يمكن أن يصبحوا أبطالاً! ولكن الذين شاهدوا المسيح المقام كانوا أبطالاً ذهبوا للموت بأقدام ثابتة من أجل ما رأوه.

ونظرية الهلوسة تناقض بعض ما يقوله الأطباء النفسيون عن الرؤى:

(ا) إن المصابين بالهلوسة هم عادة أصحاب خيال واسع ومتوتّرون. ولكن المسيح ظهر لعدد كبير من الناس المختلفين في أمزجتهم، فمريم المجدلية كانت تبكي، والنسوة كنَّ خائفات ومندهشات، وبطرس كان نادماً، وتوما كان شكاكاً، وتلميذا عمواس كانا يراجعان أحداث الأسبوع، والتلاميذ في الجليل كانوا يصيدون.. ولا يمكن أن يكون كل هؤلاء من المصابين بالهلوسة.

(ب) الهلوسة ترتبط باختبارات الفرد الماضية المترسبة في عقله الباطن. ويقول راؤول مورجو العالم النفسي إن ظواهر الهلوسة غير مستمرة ولا متشابهة، فالهلوسة ليست استاتيكية بل ديناميكية تعكس عدم الاستقرار بسبب العوامل والظروف المصاحبة لحصولها.

وعلى هذا فمن غير المحتمل أن شخصين تصيبهما الهلوسة ذاتها في الوقت ذاته!

لقد ظهر المسيح لأكثر من خمسمائة شخص في مرة واحدة.. وليس من المعقول أن يكون هؤلاء جميعاً مصابين بذات الهلوسة، فإنهم مختلفون نفسياً، ومن خلفيات وأمزجة مختلفة، والترسُّبات السابقة في عقولهم الباطنة مختلفة، فلا يمكن أن يُصابوا جميعاً وفي وقت واحد بهلوسة رؤية المسيح (12).

ويخبرنا العلم عن حالات رأت فيها جماعة من الناس ذات الرؤيا في ذات الوقت، لكنها كانت مصحوبة بإثارة مَرَضيّة للحالة العقلية مع حالة مرضية بدنية خصوصاً بسبب عواطف عصبية. فإذا افترضنا أن بعض التلاميذ كانوا في مثل هذه الحالة، فإننا لا يمكن أن نقول إنهم جميعاً كانوا كذلك، فإنهم مختلفون. لقد كان تلميذا عمواس يدرسان الحالة بعقل واع، وتوما الشكّاك كان يحلّل الأمور، وبطرس الصياد الخشن، وأكثر من 500 أخ.. هؤلاء وغيرهم التقوا بيسوع في أوقات مختلفة (في الصباح عند القبر – في حديث على الطريق – في حلقة صيد عند البحيرة). هؤلاء جميعاً لم يكونوا في ذات المكان ولا تحت نفس التأثيرات – وهل يمكن أن كل هؤلاء المهلوسين يُعلنون الخبر نفسه باتفاق كامل في التفاصيل، ويُقنعون السامعين أنهم عقلاء؟ لا بد أن واحداً منهم سيُراجع نفسه فيما بعد، خصوصاً بعد أن يقع عليه الضرب والجلد!

إن المسيح عندما اختار التلاميذ لم يختر مرضى نفسيين، فإنه علم ما في الإنسان. ولو أنه اختار هؤلاء المرضى لشفاهم. ولو أنه اختار المرضى لينشروا هلوستهم لكان هو صانع الخطأ وناشر الخداع! وهذا مستحيل! (3).

(ج) يقول العالمان النفسيان هنزي وشاتسكي من جامعة أوكسفورد: الوهم إدراك حسي خاطئ، واستجابة خاطئة لما يثير الحواس (23) ثم يقولان: ولكن لدى الشخص العادي قدرة أن يكشف الوهم، إذ تسرع بقية حواسه لانقاذه منه (23).

ولا يمكن أن تكون ظهورات المسيح إدراكات حسية خاطئة. ويقول ولبر سمث إن لوقا عالِم مدقّق يفحص الموضوع الذي يكتب عنه. ولوقا يقول في مطلع سفر الأعمال إن يسوع أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة، والأناجيل تسجل ما لمسته يدُ المصادر التي أخذ عنها قصته، وما سمعته آذانهم وما رأته عيونهم.. وهذه هي البراهين العملية الكثيرة (3).

ويقول سبارو سمبسون إن ظهورات المسيح لمست حواس التلاميذ المختلفة من بصر وسمع ولمس (7) ونرى هذا من الروايات الانجيلية التالية:

أاُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي . وَحِينَ قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ,,. فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ (لوقا 24: 39 – 43).

أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلَامِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّأ (يوحنا 20: 20).

قال توما: إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لَا أُومِنْ . قَالَ يَسُوعُ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً (يوحنا 20: 25 – 29).

لقد رأوا يسوع، ولمسوه، وسمعوه (متى 28: 9 ، 10).

(د) الهلوسة عادة محدودة بموعد ومكان خاص، وتحدث عادة في مكان وجّو يصعب استعادته واسترداده، أو في وقت يستغرق فيه الإنسان في الذكريات (24).

ولكن ظهورات المسيح كانت في أماكن لا تجلب الهلوسة، بحسب كلام علماء النفس. فلو أن ظهورات المسيح حدثت في مكان أو اثنين لهما صفة قدسية أو ذكريات خاصة، حيث يكون التلاميذ في حالة انتظار، لقلنا إن هذه هلوسة. ولكن هذا لا يصدق على ظهورات المسيح. لو أن كل الظهورات حدثت في العلّية، أو لو أن كل الظهور حدث للأحد عشر في مكان صرف فيه المسيح آخر ساعاته معهم قبل الصلب، وظل المكان خالياً انتظاراً لعودته، وهم يردّدون وعده بالعودة، حتى تتحول توقُّعاتهم إلى رؤيا وهمية… لكان لنا الحق أن نقول إن ظهورات المسيح هلوسة (2).

ولكن ظهورات المسيح كانت في أماكن كثيرة، ليس لكلها صفة خاصة.. ولم يكن التلاميذ يتوقعون ظهوره. ثم أنهم لم يروه فقط، لكنهم تحدثوا معه، وكانت المناقشات في ظروف متعدّدة متنوعة، وكان هناك شهود كثيرون، لم تكن مقابلتهم له عابرة، بل طويلة عامرة بالحديث!

ظهر صباحاً للنسوة عند القبر (متى 28: 9 ، 10).

وبعد الظهر لتلميذي عمواس في الطريق العام (لوقا 24: 13 – 33).

وفي ضوء النهار عقد محادثتين خاصتين (لوقا 24: 34)، (1 كورنثوس 15: 7).

وذات صباح عند البحيرة (يوحنا 21: 1 – 23).

وعلى جبل بالجليل، ظهر لأكثر من 500 مؤمن (1 كورنثوس 15: 6).

هذه ظهورات متنوعّة، في أماكن متعددة مختلفة، ولا يمكن أن تكون هلوسات رؤى وهمية.

(ه-) الهلوسة عادة تجيء الأشخاص الذين يتوقَّعون ويرجون حدوث شيء، فتكون أشواقهم مولِّدة للهلوسة! (24). إن إيمانهم بالفكرة وتوقُّعهم لها وتشوقّهم إليها تجعلهم يرونها. وعلى هذا فإن رؤية جماعة من الناس لشيء وهمي يحتاج إلى استعداد نفسي خاص يستغرق وقتاً طويلاً (1) فمثلاً الأم التي فقدت ابنها في الحرب، والتي كانت معتادة أنه يرجع إلى البيت كل يوم في السادسة مساء، لو أنها جلست كل يوم في نفس الموعد، في كرسيّها المريح تتوقع عودته، فإنها أخيراً تظن أنها تراه داخلاً وتحدّثه، وتكون عندئذ قد انفصلت عن الواقع!

ولكن الذي حدث مع التلاميذ كان غير ذلك. لقد آمنوا بالقيامة بالرغم من إرادتهم. ولم تُخلق القيامة من داخل عقولهم، لكنها جاءتهم من خارج إرادتهم. لقد صدّقوا قيامة المسيح ببطء شديد، بعد أن ألحَّ عليهم المنطق والحقائق الدامغة!

فاجأ اليوم الأول للقيامة التلاميذ وهُمْ في اتجاهات فكرية مختلفة، لم يكن من ضمنها انتظارهم القوي ولا استعدادهم لمشاهدته. كان إيمانهم به قد اهتّزَ بعد كارثة موته، موت الملعون الذي عُلِّق على خشبة، كما يقول ناموسهم (تثنية 21: 23) فكانت آمالهم محطَّمة جعلت عودتهم للأمل بطيئة! (1).

بل إن التلاميذ لم يتوقَّعوا القيامة بالمرة، فمريم تأخذ الحنوط معها صباح الأحد لكي تدهن جسده المسجَى في القبر. وعندما رأته ظنت أنه البستاني (مرقس 16: 1 ويوحنا 20: 15). وعندما ظهر للتلاميذ في العلية جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً (لوقا 24: 37) حتى أن المسيح طلب منهم أن يجسُّوه ليؤمنوا! لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي (11).

ويقول كلايف لويس إنه في ثلاث حالات من الظهورات كانت الهلوسة بعيدة جداً عن معرفة أن يسوع قام (لوقا 24: 13 – 31 ويوحنا 20: 15 ، 21: 4) (18).

(و) تظهر الهلوسة عادة في فترات متباعدة من الوقت بانتظام ملحوظ، وقد يزيد ظهورها حتى تحدث أزمة، أو يقلّ ظهورها تدريجياً حتى يبطل (24).

ويقول كلايف لويس إن هذا ليس الحال مع المسيح في ظهوراته. إن الشبح يختفي، ولكن الشخص الحي لا بد أن يذهب إلى مكان ما ويحدث معه شيء (18). وهذا ما حدث للمسيح فقد صعد إلى السماء بعد قيامته. لقد توالت ظهورات المسيح مدة أربعين يوماً ثم توقفت، فيما عدا ظهوره لشاول الطرسوسي في ظروف خاصة. فإن كانت ظهورات المسيح هلوسة، فلماذا توقفت فجأة؟ ولماذا لم يعد محبّو المسيح يرونه بعد صعوده رغم شوقهم لذلك. لقد حل محل ذلك قيام التلاميذ ببرنامج ضخم لتبشير العالم، كلَّفهم الكثير!

لم يكن التلاميذ ساذجين بل حريصين شكاكين بطيئي القلوب في الإيمان . وعلى هذا فإنهم لم يكونوا معرَّضين للهلوسة، ولم تكن الرؤى الغريبة تشبعهم، بل كان إيمانهم مؤسساً على الحقائق الواقعة والاختبارات الحقيقية (2).

ولم يحدث أن الهلوسة جعلت الناس يقومون بمثل هذا العمل الضخم الناجح، بولاء ونكران ذات ويقاسون في سبيله. ولم يحدث أن هلوسة حركت العالم هكذا وغيَّرته!

4 – نظرية الخطأ في القبر:

قصد النسوة وكل الباقين قبراً غير الذي دُفن فيه يسوع . وصاحب هذه النظرية اسمه ليك . ويقول إن من المشكوك فيه أن النسوة عرفن القبر الصحيح، فإن أورشليم كانت محاطة بعدد كبير من القبور المحفورة في الصخور، حتى يصعب معرفة القبر المقصود. ومن المشكوك فيه أن النسوة كنَّ قريبات من القبر وقت الدفن. والأرجح أنهن كن يراقبن يوسف الرامي من بعيد، لأنه كان يمثل اليهود أكثر من تمثيِلِه للتلاميذ، وعلى هذا فإنه كان يصعب عليهن تمييز القبر. ومن المحتمل إذاً أنهن أتين إلى قبر آخر. ومما يبرهن هذه النظرية أنهن كن قلقات بشأن الحجر الكبير، ولكنهن لم يجدنه، بل وجدن القبر مفتوحاً.

وتكون القصة أن النسوة جئن في الصباح الباكر إلى قبر مفتوح فارغ باعتبار أنه قبر المسيح. كن ينتظرن قبراً مغلقاً، فإذا به مفتوح وبداخله شاب خمَّن الهدف من مجيئهن، فقال لهن: ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه وأشار إلى القبر الخالي، ولكن النسوة الخائفات هربن!

وللرد على هذه النظرية نقول:

(ا) لقد عرفت النسوة مكان دفن يسوع، قبل زيارتهن للقبر بأقل من 72 ساعة، فيقول متى: وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ (27: 61).

ويقول مرقس: وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ (: 47).

ويقول لوقا: وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُت (23: 55).

فهل نظن أن شخصاً عاقلاً ينسى بسرعة مكان شخص عزيز، وُضع فيه منذ أقل من 72 ساعة؟

(ب) أخبرت النسوة الرسل بما رأين، فذهب بطرس ويوحنا إلى القبر فوجداه فارغاً (يوحنا 20: 2 – 8).

فهل ذهب بطرس ويوحنا إلى قبر خطأ؟ لسنا نظن أنهما هما أيضاً وقعا في نفس الخطأ وذهبا إلى القبر الخطأ!

(ج) قال الملاك للمرأتين: هَلُمَّا انْظُرَا الْمَوْضِعَ الّذِي كَانَ الرَّبُّ مُضْطَجِعاً فِيهِ (متى 28: 6) – فهل أخطأ الملاك أيضاً؟

وقد قام معلّق غريب يقول – لإثبات هذه النظرية – إن الملاك قال: أخطأتما المكان. تعاليا إلى هنا لتريا المكان الذي كان الرب مضطجعاً فيه . ولم يحدث في كل تاريخ دراسة المخطوطات أن سمعنا مثل هذا السُّخف! فإن كل المخطوطات القديمة تقدّم كلمات الملاك حسب النصّ الذي عندنا في الإنجيل اليوم.

(د) لو أن النسوة ذهبن للقبر الخطأ، فلماذا لم يذهب رجال السنهدريم للقبر الصحيح ليعلنوا للملأ كذب فكرة القيامة ويفحموا التلاميذ؟ لا شك أن رؤساء الكهنة وسائر الأعداء كانوا قادرين على الذهاب إلى القبر الصحيح وإشهار كذب التلاميذ!

(ه-) لو أن النسوة والرومان واليهود والكل ذهبوا إلى القبر الخطأ – فلماذا لم يُصلح يوسف الرامي الأمور؟ لقد كان يعرف قبره!

(و) يقول ليك في نظريته إن الشاب قال كلاماً للنسوة ولكنه يقدم اقتباساً ناقصاً. ويقول مرقس: وَلَمَّا دَخَلْنَ الْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابّاً جَالِساً عَنِ الْيَمِينِ لَابِساً حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَا نْدَهَشْنَ. فَقَالَ لَهُنَّ: لَا تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ الْمَصْلُوبَ (مرقس 16: 5 و6). ونورد هنا الاقتباس الصحيح والاقتباس الناقص:

الاقتباس الناقص:

ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه ولا يذكر قول الملاك: قد قام .

الاقتباس الصحيح:

قد قام. ليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه .

والعالِم الحقيقي هو الذي يُثبت الحقائق كلَّها ولا يقدم اقتباساً ناقصاً.

(ز) بعد رجوع النسوة للتلاميذ كان يمكن حدوث أمر من اثنين: أن يذهب التلاميذ للقبر للتحقُّق من كلام النسوة.

أو أن يبدأوا إعلان القيامة على الملأ فوراً.

ولكن البدء في الكرازة بالقيامة حدث بعد ذلك بسبعة أسابيع. ويقول فرنك موريسون إن اعتماد النسوة على الرسل يهدم الخطأ في القبر..

لقد اضطر ليك أن يقول إن النسوة بقين في أورشليم حتى صباح الأحد الذي ذهبن فيه إلى القبر، وإن الرسل غادروا أورشليم قبل الشروق يوم الأحد، لأن النظرية تقول إن النسوة لم يخبرن أحداً. ويضطر ليك أن يقول إن النسوة بقين في أورشليم عدة أسابيع كان التلاميذ أثناءها قد رجعوا إلى بيوتهم، ومارسوا أشغالهم المختلفة، ثم رجعوا إلى أورشليم. ويقول موريسون إن كل هذه افتراضات كاذبة، لتجعل نظرية الخطأ في القبر مقبولة (13).

(ح) كانت النسوة قد جئن بحنوط لدهن الجسد، وليس من المعقول أن يرجعن بدون استعمالها، خصوصاً بعد أن أشار لهن الشاب إلى القبر الصحيح (كما تدَّعي النظرية!).

(ط) لم تكن هذه مقبرة عامة، بل كان القبر خاصاً في بستان، ليس معه احتمال خطأ في الذهاب إلى قبر آخر، يحتاج معه الأمر إلى أن شاباً يشير للنسوة إلى القبر الصحيح (كما تدَّعي النظرية) فيهملْنَ هذا التوجيه!!

(ك) لماذا يذهب شاب ليجلس في قبر في وقت مبكر، سواء كان في مقبرة عامة أو في قبر خاص في بستان؟ ما هو الدافع؟ إن هذه النظرية لا تردّ على هذا التساؤل. وإن كان هذا الشاب أحد التلاميذ المحبين ليسوع، فلماذا خافت النسوة منه؟!

يقول مرقس إن النسوة دخلن القبر ورأين الشاب داخل القبر.. هذا يعني أنه كان يشير إلى المكان الذي وُضع فيه يسوع داخل القبر.

(ل) قال البعض إن هذا الشاب هو البستاني. لكن إن كان نور النهار كافياً له ليعمل، فإن النسوة كن يقدرن أن يعرفنه. أما إن كان النور ليس كافياً، فلم يكن هناك داعٍ لوجوده في داخل القبر!

ولو أن هذا الشاب كان البستاني، وأرشد النسوة إلى خطئهن في القبر، فلماذا لم يستخدمه رؤساء الكهنة ليطعن في قصة القيامة؟ لم يكن هو البستاني بل كان ملاكاً من السماء، وعرف الجميع أن قبر يسوع أصبح فارغاً وكان سؤال الجميع هو: كيف حدث هذا؟!

(م) إن قصة ذهاب النسوة إلى قبر خطأ لا تسندها حقائق تاريخية، لكنها تنبع من رفض حدوث ما هو فوق طبيعي !

ثامناً – الخاتمة: بالحقيقة قام!

يقول جون وورويك مونتجمري:

صرف المسيح أيامه يصنع خيراً للآخرين، لكنه ربح الضرر لنفسه! إنه مثل سقراط في أنه أثار مواطنيه حتى قتلوه. لقد كان هدف سقراط أن يعرف مواطنوه نفوسهم، أما المسيح فكان هدفه أن مواطنيه يعرفونه هو: من تقولون إني أنا؟ . ماذا تظنون في المسيح؟ ابن من هو؟ ولم يترك المسيح الناس في شك من جهة حقيقته، فقد قال لتوما: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي (يوحنا 14: 6). وقال بولس إن المسيح تعيَّن (أي أُعلن أنه) ابن اللّه بقوة بالقيامة من الأموات (رومية 1: 4) .

وتهدف المسيحية إلى أن تعرف أنت موقفك من المسيح الحي المقام. وعليك أن تأخذ قرارك تجاهه. ماذا تظن في المسيح، أمام كل هذه الحقائق والأدلة الدامغة على صدق إنجيل المسيح؟

يسوع قام. بالحقيقة قام!