لا يقدر مخلوق أن يعرف الله كما هو، وإنما يمكننا أن نعرفه بما يميّزه عن كل ما سواه، كقولنا: إن الله روح، غير محدود، سرمدي، غير متغيّر في وجوده وقدرته وقداسته وعدله وجودته وحقه. وقد جاء في التوراة: «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية ٦: ٤). كما أن جميع قوانين الإيمان المسيحي صدرت في عبارات تصرح بهذه الحقيقة. فالقانون النيقاوي يبدأ بالقول: «نؤمن بإله واحد». والقانون النيقاوي القسطنطيني (٣٨١ م) يقول: «نؤمن بإله واحد». والقانون الذي تقبله جميع الكنائس الإنجيلية والتقليدية يبدأ بالقول: «نؤمن بإله واحد». والواقع أن العقل السليم يحكم بأن علة العلل لا بد أن تكون واحدة فقط، لأنه يستحيل التسليم بوجود علّتين أو أكثر، غير محدودتين سرمديتين، غير متغيّرتين. ويتبرهن من الكتاب المقدس أن الله واحد في كمالاته من كونه يسمَّى أحياناً بإحدى كمالاته، كالقول إنه «نور» أو «محبة» أو «حق» أو «روح». ونتعلم من وحدانية الله الاحتراس من تصوُّر وجوده جزئياً في السماء، وجزئياً على الأرض، لأنه إله واحد غير متجزّئ موجود بكماله في كل مكان. على أن المسيحيّة تؤمن بشخصية الله. أي أنها لا تؤمن بأن هذا الإله الواحد مجرد قوة أو شيء، بل هو شخص حي عاقل، واجب الوجود بذاته، له كل مقوّمات الشخصية، في أكمل ما يمكن أن تشتمل عليه هذه المقومات من معانٍ. وإذا كان من المسلَّم به أن الشخصية تقوم دوماً على ثلاثة أركان هي: الفكر والشعور والإرادة، وأن الله هو الشخصية الوحيدة الكاملة إذا قورن بغيره من شخصيات خلائقه، لذلك كان لا بد أن نعرّف شخصية الله بأنها الشخصية الوحيدة الفكر والشعور والإرادة – إذ هو أول كل شيء الإله المدرِك لذاته، والمدرِك لكل شيء صنعه. وتؤمن المسيحيّة أن هذا الإله، الشخص الحي الواحد، ليس جسماً مادياً يمكن أن يُرى أو يُلمَس أو يُدرَك بالحواس البشرية، فهو كما قال المسيح «روح» وهو أيضاً «أبو الأرواح» (عبرانيين ١٢: ٩) إذ خلق هذه على صورته كشبهه.
بيد أن المسيحيّة تؤمن بأن وحدانية الله جامعة، أي أن الله ذو ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم إله واحد وجوهر واحد.
ولا يعني المسيحيّون بتعدُّد الأقانيم أن الله ثلاثة جواهر، لأن لفظ «أقنوم» لا يعني «جوهر». فالمراد هنا بالجوهر الذات الواحدة، أي أنه الوحدة اللاهوتية. والمراد بالأقنوم واحد من الآب والابن والروح القدس. ومع ذلك فكلمة أقنوم (كسائر الألفاظ البشرية) قاصرة عن إيضاح حقيقة إلهية، هي أن الله ثالوث في الأقنومية، وواحد في الجوهر.
ومن المعروف أن تعليم وحدانية الله وامتياز الأقانيم أحدها عن الآخر ومساواتها في الجوهر، ونسبة أحدها للآخر لم يرد في الكتاب المقدس جملة واحدة بالتصريح به، بل في آيات متفرقة. غير أن جوهر هذه الأمور منصوص عليه من أول الكتاب المقدس إلى آخره. ومن الأمور التي تثبت صحة هذا الاعتقاد وجوده في الإعلانات المتتابعة وانجلاؤه بالتدريج هكذا: