شهادة سميره
أنا أكبر أخوتي ، ولي أربع فتيات أخريات. أمي مسلمة ولكنها لا تهتم بأمور الدين وأبي مسلم جداً يخاف الله ويتقيه، ساعدته نشأته الريفية علي التمسك بالدين والتقاليد. كان يختلف مع أمي أو مع واحد منا حينما ننقطع عن الصلاة بسبب غير شرعي. وأذكر أنه نادراً ما كان يتبع معنا أسلوب للعقاب إذا فعلنا ذلك، وهذا العقاب هو أن أبي لا يجلس معنا علي مائدة الطعام ومستشهداً في ذلك بحديث نبوي. وكما حدث مع جميعنا أو معظمنا فقد فهمنا في الصغر بأن المسيحية دين كفر وشرك لأن المسيحيين لا يؤمنون بمحمد، وأذكر أنه كان لأبي صديق مسيحي كان يأتي إلينا في الأعياد هو وأسرته، وكان أبي يحبه حقاً ولكنه دائماً يتهكم علي مسيحيته بعد أن يذهب من عندنا ويقول (خسارتك يا فوزي في المسيحية)
. كانت بالقرب منا كنيسة قبطية وحينما كانت أمي تطلب مني أن أشتري شيئاً من محل البقالة كان من الطبيعي أن أمر أمام الكنيسة ولكنني كنت أتضايق إذا سمعت صوت القداس ولا أعرف لماذا؟ فقد كنت أذهب من شارع بعيد حتى لا أمر من أمام الكنيسة حتى لا أسمعهم. كل هذا وأنا لم يشغلني الدين المسيحي ولا الإسلامي، لكنني كنت أفكر بغضب حينما يلح أبي في طلب إلتزامنا بالصلاة كنت أصلي كواجب، أو كتجنب الإصابة بلعنة أبي وفي أول سجدة كنت أقول لنفسي متى سوف أنتهي من السجدة الأخيرة، فأنا لم أشعر بوجود الله ولم أطلبه بشكل حقيقي لأنني كنت أصلي مجبرة ولست مخيرة. وظل الوضع هكذا حتى وصلت لسن الثالثة عشر وكانت مرحلة جديدة في الدراسة وجلست بجواري في الفصل فتاة تدعى مارسيل وكانت هذه أول مرة تجلس بجواري فتاة مسيحية، فأحببتها لأنها كانت جميلة ووديعة وذات مرة أخرجت كتابها الدراسي الديني وبدأت تقرأ فيه وهنا تفجر بداخلي حب استطلاع لم أعهده في ذاتي من قبل لرؤية كتابها الديني ووقعت عيناي علي جملة تقول (كان يسوع يجول يصنع خيراً) كانت المرة الأولى التي أعرف فيها كلمة يسوع وسألتها من هو هذا الشخص؟ فقالت لي أنه المسيح وأعجبت جداً بهذه الجملة وبهذا الشخص الذي يجول يصنع خيراً. وببراءة شديدة لم أعد أذكرها جيداً. ذهبت للمنزل وكلي رغبة في اقتناء إنجيل وطلبته من أبي وحكيت له ما حدث ولا أدري بعد ذلك ماذا حدث!. ثورة عارمة في منزلنا ضربات تنهال علي وترديد لجملتين (دول كفرة ومش ده الإنجيل .. ده إنجيل محرف). وندمت علي ما فعلت وتبت، وكررت السؤال عن يسوع لمارسيل عدة مرات. وفي الأسبوع الثاني لهذه الحادثة كان عندنا حصة للدين الإسلامي وكان يدرسها الشاب الأستاذ/ عبد الحميد وكان ملتحي ولا أدري لماذا وكان بداخلي سؤال وأعلم جيداً أنه حرام لكن برغبة شديدة في داخلي أن أسأل هذا الحرام (لم أكن مقتنعة بداخلي بتبرير زواج الرسول من كل هؤلاء النسوة بل كنت أرى شئ آخر ….)
. وتجرأت وقمت بمقدمة طويلة وباضطراب شديد وقلت (أستاذ ممكن أسأل سؤال .. هو يعني.. أستغفر الله العظيم… أما كان للرسول أن يساعد كل من زوجاته في ظروفها دون أن … يتزوجها وإلا فيمكن أن يكون مزواجاً؟) ولأول مرة كنت أُضرب في المدرسة وشعرت بإهانة قصوى حينما أعطاني الإجابة على سؤالي صفعة علي وجهي وقال (إيه ده يا كافرة) ونزلت لمديرة المدرسة لأشتكي المدرس وحكيت لها ما حدث وكانت المديرة متعصبة للإسلام جداً ولكنها حكيمة جداً وبدأت تشرح لي أنه لو كان محمد ساعد أحداهن دون زواج لكان عرضهن وعرض نفسه لشبهات غير لائقة وهززت رأسي ولكنني لم أقتنع بالإجابة وندمت وتبت مرة أخرى. وبعد عامين قد حدث انفصال بين أبي وأمي ومريت بظروف قاسية لم تترك الظروف لي لحظة لأن أفكر في أي شئ من الأمور الدينية وكان علي أن أواظب علي الصلاة وليس لأجل أبي هنا بل باقتناع مختلف عن وجود الله وربما لنتيجة الظروف وكنت أتودد لله في علاقة حقيقية وكنت أشعر بأنه مرة موجود ومرة أخرى غير موجود وكنت أطمح كما كان طموح أبي بأن أكمل تعليمي الجامعي ولكن نظراً لأنني البكر فكان لابد بأن أتعلم تعليم متوسط حتى أتفرغ للعناية بأبي واخوتي ودخلت مدرسة التجارة وكلي سخط علي أبي وعلى أمي وعلى الظروف وعلى الله الذي سمح بكل هذا
. وبعد إتمام الدراسة جلست ما يقرب من عامين بالمنزل وكانت الظروف بالنسبة لأعمار اخوتي أكثر تحسناً لكبر سنهم وقررت أن أبحث عن عمل لا أدري أين وخاصة بعدما تركنا الإسكندرية وذهبنا لبلدة أبي وكانت نقلة رجعية بالنسبة لي ولأخوتي. كان أبي ضد مبدأ أن أعمل وعندما علمت بأن هناك مكتب للمحاماة في حاجة لسكرتيرة وكان صاحبه رجل مسيحي تجرأت وقلت لأبي فلم يوافق وصممت علي رأي وشاركت عمي بالمشكلة وتدخل وعملت بالفعل في المكتب .. وذكرتني مسيحية أستاذي المحامي بتلك الحادثتين منذ ستة سنوات وأردت أن أعرف عن هذا الدين، فسألته مرة عن صورة العذراء المعلقة خلف ظهره. فهاج وماج وقال (ما فيش أي أسئلة في الدين كفاية اللي بيحصل في البلد) كانت أحداث الإرهاب في تلك الأيام في قمتها مما دعي الكل للخوف وعدم الكلام فكنت أسكت وأعود أسأله بعد أيام وهو أيضاً لا يجيب وذلك حسب اعتقادي لجهله بأمور الدين فهو مسيحي عادي أرثوذكسي وهو خائف بسبب نظام الحكومة الذي ربي في نفوس الجميع الرعب في التكلم في هذه الأمور وأيضاً بسبب أننا في بلد صغيرة والكلام فيها ينتشر بسرعة وهو كان خائف مما سوف يترتب عليه من تبعيات التكلم معي. وقررت أن أقرأ بعض الكتب المسيحية الموجودة في المكتب وكانت كلها تقريباً للبابا شنودة. وبدأت أفكر في مواضع الاختلاف بيننا (المسلمون) وبين هؤلاء الكفرة (المسيحيون) وما الذي يجعلهم يشركون بالله وأخذت الكتب التي تتكلم عن الصلب والتثليث وقرأتها للتعرف علي الفروق والاختلافات وبدأ عقلي يقتنع ببعض الأمور ثم توقفت بعد فترة وتملكني الخوف لئلا أنزلق في هذا الطريق فأخسر ديني وكنت وقتها أبلغ من العمر عشرون عام وقررت أن أحصن ذاتي فذهبت لشيخ في جامع قريب من مسكني وحكيت له ما حدث وما بدأت أقتنع به. فأعطاني العلاج لدائي وهو أن أصوم ثلاثة أيام – وأواظب علي الصلاة وقراءة المصحف – وأترك هذا العمل فوراً وأخذت أول وصفتين أما الثالثة فكان صعب علي أن أنفذها ربما لاحتياجي للخروج ولتحقيق ذاتي التي لم أحقق شئ منها حتى ذلك الوقت وبدأت أقرأ في القرآن في المكتب كل يوم ولأول مرة أكتشفت به الكثير من التناقضات وبدون تفكير وجدتني أحضر بكراسة لأكتب فيها ما أكتشفه وبعدما فعلت ذلك في حوالي ثلاثة عشر سورة تنبهت لما أفعل وارتعبت لما وجدته من تناقض في كلمات الله ومبادئ كثيرة غير سامية ولا إنسانية ولا تليق برسالة سماوية وكان من الطبيعي عندئذ أن أتوجه إلى أن أفكر بشكل صعب وهو أن أطلب من الله الحقيقي أن يكشف لي ما هي العقيدة الصحيحة ولم أجد حل إلا أنني يجب أن أحاول قراءة الكتاب المقدس وبدأت فعلاً بقرأة الإنجيل وتذكرت ذاك الذي كان يجول يصنع خيراً .. لقد أحببته بشدة ، خاصة وقد كنت أحتاج لمن يصنع معي خيراً فرغم ارتباطي بشخص أحبه وكنا علي وشك الارتباط لكن كان هناك شئ أعمق من هذا المعنى في هذا التوقيت بالذات واقتنعت بالمسيح وبدأت أقرأ أكثر وحكيت للمحامي فثار غاضباً ولكني قلت له بأنني لن أفتح ذلك الموضوع مرة أخرى وبدأت أذهب للكنائس لمقابلة الكهنة والبحث عمن يساعدني فعلت ذلك لمدة ستة أشهر في ثلاثة محافظات وطردت من أربع كنائس
!. كانوا في المنزل يلاحظون تغييراً علي تصرفاتي جزء إيجابي في العلاقة وجزء سلبي باستفزازي لهم في التحاور حول أمور الدين ولاهتمامي بأمور وأعياد المسيحيين خاصة القداس في التليفزيون وقد كسر أبي التليفزيون ذات مرة بسبب ذلك وسبني وصمم أن أترك هذا العمل لأنني تأثرت بأصحابه ولم أكن أريد في هذه الفترة إلا أن أتعمد وأعرف أكثر وأعيش حرية مسيحية فلم يكن يتاح لي أن أقرأ شئ في المنزل فكنت أنقل من الكتاب المقدس جزء في ورقة وأخذها معي وأقرأها في الليل والجميع نيام وكان صعب علي أن أصلي في كنيسة لمعرفة كثيرين لي ولأنني كنت أرتدي حجاب وكنت أصلي في المنزل وأطلب من الرب يسوع أن يحل هذا الأمر وكنت كلما صليت وفكرت أشعر بأنني لابد من ترك المنزل فلم يكن هناك حل آخر. كنت أحب أبي واخوتي جداً رغم كل الظروف أما أمي فلم تكن تمثل لي شئ كبير لأسباب كثيرة ولبعدها أيضاً. كان قرار صعب جداً أن أهرب حينما قررت ذلك فإلي أين أذهب لا أعلم لكنني سأمضي والرب سيكون معي كنت أحمل إيمان يشبه إيمان إبراهيم وكان يتمثل أمامي دائماً كنت أشعر أن الرب يدعوني لهذه الخطوة بشدة وأخذت حقيبة يدي وبها آخر مرتب لي وخلعت ذهباً قليلاً كنت أمتلكه وذلك لإحساسي بأني لابد أن أترك كل شئ وأتبع المسيح وحدي ولا أحمل سوى صليبي وأخذت حذائي تحت أبطي في الخامسة والنصف فجر الخميس ودقات قلبي تزداد سرعة خوفاً وقلقاً من أن يصحو أبي أو يراني أحد في هذه اللحظة تركت كل شئ ومضيت وركبت قطار للقاهرة وشعرت بأني أختار المسيح ولأول مرة أحقق اختياري . فكم من أشياء لم أختارها وكم من اختيارات لم تتحقق .
. وظل القطار سائراً ولم أرى ولا كنيسة طوال الطريق إلي أن توقف في محطة قريبة من القاهرة ورأيت كنيسة فنزلت وذهبت وقلت سوف أحكي قصتي لعل أحد يساعدني ولم أجد القس بالكنيسة فطلبت من السكرتيرة عنوان منزله للضرورة وذهبت له وكان رجلاً رائعاً أول من سمعني بصدق لكنه لم يستطيع أن يساعدني بشكل عملي فقد صلى من أجلي وطلبت منه أن يعطيني عنوان إحدى الكنائس التي سمعت من قبل بأن العذراء قد ظهرت فيها وأنا أعتقد بأن أحد قساوسة هذه الكنيسة سيساعدني فوصفها لي وذهبت وكانت الساعة حوالي الثانية ظهراً ولم أجد أحد بها وانتظرت حتى أتى راهباً في السابعة مساء وجلس معي في حوالي الساعة العاشرة وبدأت أحكي له فهب واقفاً وأعلن أنه لا علاقة له بهذه الأمور وأمرني بالذهاب فغضبت وبكيت وحزنت وقلت له لا يحق أن تكون كاهناً فأنت غير مسيحي وأنك لا تعرف الله ولا تمت للمسيح بصلة ورجوته أن يسمح لي بأن أبيت بالكنيسة لكنه رفض وظللت أترجاه حتى يعطيني عنوان لأي كاهن يمكن أن يبيتني للصباح ولم يفعل ذلك لكنه أعطاني عنوان إحدى الكنائس فقط فذهبت ووجدت قس هناك وحكيت له حكايتي فطلب مني أن أرجع إلى أهلي وآتي له على فترات ليتعرف عليه أكثر ويشرح لي ما يجب أن أعرفه في المسيحية وكانت هناك استحالة لأن أعود لأهلي لأن كل العلامات كانت تعرفهم بأني هربت وعندما شرحت له ذلك طلب مني أن أذهب وأنام في أي فندق وآتي له صباحاً وبالفعل بدأت أذهب للفنادق ووجدت صعوبة بالغة في ذلك ولأنني بنت بمفردها في ساعة متأخرة من الليل فقد رفض أكثر من فندق استقبالي لما كان مظهري يبديه إلى أن وافق صاحب إحدى اللوكاندات ولكنه تعرض لي ببعض المضايقات وقضيت الليل في خوف وصلاة حتى سطعت الشمس باكراً ونزلت للكنيسة وقابلت القس وظللت علي ذلك الوضع لمدة أسبوعين أتنقل بين اللوكاندات وأذهب له كل يوم ليعلمني ولما وثق في سلمني لإحدى خادمات الكنيسة لأقيم عندها بعض الأيام وهي بالطبع لم تعرف شئ عني ولما اكتشفت بطاقتي قالت لي في يوم أن أبونا يريد أن آخذ أشيائي وأذهب له باكراً وفعلت ذلك وفوجئت بعدم وجوده وأنها فعلت ذلك فقط لما عرفته عني وظللت أتنقل لمدة شهر أخر كانت هذه فترة صعبة جداً ولكني كنت سعيدة أشعر وأسير بإيمان وأن المسيح يتقدمني ثم تعمد بعد ذلك وعرفني القس علي أناس مثلي وعشت معهم وبدأت أتتلمذ وأهتم بالكنيسة وأعيش ما اخترته وبدأت أعمل كسكرتيرة في إحدى الشركات يملكها شخص مسيحي ولكنه علم بعد فترة من إحدى الموظفين أنني أذهب للكنيسة وأمر أن أترك العمل. بعد فترة بدأت أتصل بأهلي كي أطمئن عليهم واطمئنهم علي وحدث تواصل بيننا ولكنه لم يدوم طويلاً فقد عرفوا عني بعض الأمور الحقيقية وأنني انتصرت وبدأت مشكلة كبيرة فأولاد عمي من الجماعات الإسلامية ورتبوا وخططوا لمعرفة مكاني وبالفعل خطفوني يوماً ليلاً وأنا سائرة وحدي تحت ضغط وتهديد بأني إن لم أطيعهم وأركب السيارة سيأخذوني بالقوة عن طريق أمن الدولة في خلال نصف ساعة. لم يذهبوا بي لمنزل أسرتي ولكن أخذوني في شقة خالية لم يكن بها أي أساس منزلي أو أي شئ حتى مفروش علي الأرض وبدأت مرحلة من التعذيب الشديد الضرب والسب والاتهام بالكفر ومحاولة لحرقي بالنار كي أذوق معنى جهنم ومحاولة لخلع أظافر قدمي لنفس المعنى، وأسئلة كثيرة عمن عمدني ولأي كنيسة أنتمي، أسبوع كامل بلا أي طعام سوي سندوتش واحد حاولوا تقديمه لي في اليوم الثالث ولكنني رفضته لخوفي لعدم ثقتي فيهم وهم لم يكرروا المحاولة بل قالوا لعلك تموتي جوعاً. كانت تجربة صعبة جداً لكني كنت أشعر أنني قوية جداً وأن الرب يرافقني كنت أشعر بصلابة وتحدي أكثر من أي وقت مضى وبشكل معجزي رتب لي أن أخذ مفتاح الشقة واهرب حافية وبلى أي نقود لكنني رجعت إلى القاهرة كي أمارس خدمتي وعملي وحياتي التي أعيد اختيارها كل يوم. وأعيد اختيار مسيحي كل يوم وأعيد اختيار حمل الصليب كل يوم
أنا أكبر أخوتي ، ولي أربع فتيات أخريات. أمي مسلمة ولكنها لا تهتم بأمور الدين وأبي مسلم جداً يخاف الله ويتقيه، ساعدته نشأته الريفية علي التمسك بالدين والتقاليد. كان يختلف مع أمي أو مع واحد منا حينما ننقطع عن الصلاة بسبب غير شرعي. وأذكر أنه نادراً ما كان يتبع معنا أسلوب للعقاب إذا فعلنا ذلك، وهذا العقاب هو أن أبي لا يجلس معنا علي مائدة الطعام ومستشهداً في ذلك بحديث نبوي. وكما حدث مع جميعنا أو معظمنا فقد فهمنا في الصغر بأن المسيحية دين كفر وشرك لأن المسيحيين لا يؤمنون بمحمد، وأذكر أنه كان لأبي صديق مسيحي كان يأتي إلينا في الأعياد هو وأسرته، وكان أبي يحبه حقاً ولكنه دائماً يتهكم علي مسيحيته بعد أن يذهب من عندنا ويقول (خسارتك يا فوزي في المسيحية)
. كانت بالقرب منا كنيسة قبطية وحينما كانت أمي تطلب مني أن أشتري شيئاً من محل البقالة كان من الطبيعي أن أمر أمام الكنيسة ولكنني كنت أتضايق إذا سمعت صوت القداس ولا أعرف لماذا؟ فقد كنت أذهب من شارع بعيد حتى لا أمر من أمام الكنيسة حتى لا أسمعهم. كل هذا وأنا لم يشغلني الدين المسيحي ولا الإسلامي، لكنني كنت أفكر بغضب حينما يلح أبي في طلب إلتزامنا بالصلاة كنت أصلي كواجب، أو كتجنب الإصابة بلعنة أبي وفي أول سجدة كنت أقول لنفسي متى سوف أنتهي من السجدة الأخيرة، فأنا لم أشعر بوجود الله ولم أطلبه بشكل حقيقي لأنني كنت أصلي مجبرة ولست مخيرة. وظل الوضع هكذا حتى وصلت لسن الثالثة عشر وكانت مرحلة جديدة في الدراسة وجلست بجواري في الفصل فتاة تدعى مارسيل وكانت هذه أول مرة تجلس بجواري فتاة مسيحية، فأحببتها لأنها كانت جميلة ووديعة وذات مرة أخرجت كتابها الدراسي الديني وبدأت تقرأ فيه وهنا تفجر بداخلي حب استطلاع لم أعهده في ذاتي من قبل لرؤية كتابها الديني ووقعت عيناي علي جملة تقول (كان يسوع يجول يصنع خيراً) كانت المرة الأولى التي أعرف فيها كلمة يسوع وسألتها من هو هذا الشخص؟ فقالت لي أنه المسيح وأعجبت جداً بهذه الجملة وبهذا الشخص الذي يجول يصنع خيراً. وببراءة شديدة لم أعد أذكرها جيداً. ذهبت للمنزل وكلي رغبة في اقتناء إنجيل وطلبته من أبي وحكيت له ما حدث ولا أدري بعد ذلك ماذا حدث!. ثورة عارمة في منزلنا ضربات تنهال علي وترديد لجملتين (دول كفرة ومش ده الإنجيل .. ده إنجيل محرف). وندمت علي ما فعلت وتبت، وكررت السؤال عن يسوع لمارسيل عدة مرات. وفي الأسبوع الثاني لهذه الحادثة كان عندنا حصة للدين الإسلامي وكان يدرسها الشاب الأستاذ/ عبد الحميد وكان ملتحي ولا أدري لماذا وكان بداخلي سؤال وأعلم جيداً أنه حرام لكن برغبة شديدة في داخلي أن أسأل هذا الحرام (لم أكن مقتنعة بداخلي بتبرير زواج الرسول من كل هؤلاء النسوة بل كنت أرى شئ آخر ….)
. وتجرأت وقمت بمقدمة طويلة وباضطراب شديد وقلت (أستاذ ممكن أسأل سؤال .. هو يعني.. أستغفر الله العظيم… أما كان للرسول أن يساعد كل من زوجاته في ظروفها دون أن … يتزوجها وإلا فيمكن أن يكون مزواجاً؟) ولأول مرة كنت أُضرب في المدرسة وشعرت بإهانة قصوى حينما أعطاني الإجابة على سؤالي صفعة علي وجهي وقال (إيه ده يا كافرة) ونزلت لمديرة المدرسة لأشتكي المدرس وحكيت لها ما حدث وكانت المديرة متعصبة للإسلام جداً ولكنها حكيمة جداً وبدأت تشرح لي أنه لو كان محمد ساعد أحداهن دون زواج لكان عرضهن وعرض نفسه لشبهات غير لائقة وهززت رأسي ولكنني لم أقتنع بالإجابة وندمت وتبت مرة أخرى. وبعد عامين قد حدث انفصال بين أبي وأمي ومريت بظروف قاسية لم تترك الظروف لي لحظة لأن أفكر في أي شئ من الأمور الدينية وكان علي أن أواظب علي الصلاة وليس لأجل أبي هنا بل باقتناع مختلف عن وجود الله وربما لنتيجة الظروف وكنت أتودد لله في علاقة حقيقية وكنت أشعر بأنه مرة موجود ومرة أخرى غير موجود وكنت أطمح كما كان طموح أبي بأن أكمل تعليمي الجامعي ولكن نظراً لأنني البكر فكان لابد بأن أتعلم تعليم متوسط حتى أتفرغ للعناية بأبي واخوتي ودخلت مدرسة التجارة وكلي سخط علي أبي وعلى أمي وعلى الظروف وعلى الله الذي سمح بكل هذا
. وبعد إتمام الدراسة جلست ما يقرب من عامين بالمنزل وكانت الظروف بالنسبة لأعمار اخوتي أكثر تحسناً لكبر سنهم وقررت أن أبحث عن عمل لا أدري أين وخاصة بعدما تركنا الإسكندرية وذهبنا لبلدة أبي وكانت نقلة رجعية بالنسبة لي ولأخوتي. كان أبي ضد مبدأ أن أعمل وعندما علمت بأن هناك مكتب للمحاماة في حاجة لسكرتيرة وكان صاحبه رجل مسيحي تجرأت وقلت لأبي فلم يوافق وصممت علي رأي وشاركت عمي بالمشكلة وتدخل وعملت بالفعل في المكتب .. وذكرتني مسيحية أستاذي المحامي بتلك الحادثتين منذ ستة سنوات وأردت أن أعرف عن هذا الدين، فسألته مرة عن صورة العذراء المعلقة خلف ظهره. فهاج وماج وقال (ما فيش أي أسئلة في الدين كفاية اللي بيحصل في البلد) كانت أحداث الإرهاب في تلك الأيام في قمتها مما دعي الكل للخوف وعدم الكلام فكنت أسكت وأعود أسأله بعد أيام وهو أيضاً لا يجيب وذلك حسب اعتقادي لجهله بأمور الدين فهو مسيحي عادي أرثوذكسي وهو خائف بسبب نظام الحكومة الذي ربي في نفوس الجميع الرعب في التكلم في هذه الأمور وأيضاً بسبب أننا في بلد صغيرة والكلام فيها ينتشر بسرعة وهو كان خائف مما سوف يترتب عليه من تبعيات التكلم معي. وقررت أن أقرأ بعض الكتب المسيحية الموجودة في المكتب وكانت كلها تقريباً للبابا شنودة. وبدأت أفكر في مواضع الاختلاف بيننا (المسلمون) وبين هؤلاء الكفرة (المسيحيون) وما الذي يجعلهم يشركون بالله وأخذت الكتب التي تتكلم عن الصلب والتثليث وقرأتها للتعرف علي الفروق والاختلافات وبدأ عقلي يقتنع ببعض الأمور ثم توقفت بعد فترة وتملكني الخوف لئلا أنزلق في هذا الطريق فأخسر ديني وكنت وقتها أبلغ من العمر عشرون عام وقررت أن أحصن ذاتي فذهبت لشيخ في جامع قريب من مسكني وحكيت له ما حدث وما بدأت أقتنع به. فأعطاني العلاج لدائي وهو أن أصوم ثلاثة أيام – وأواظب علي الصلاة وقراءة المصحف – وأترك هذا العمل فوراً وأخذت أول وصفتين أما الثالثة فكان صعب علي أن أنفذها ربما لاحتياجي للخروج ولتحقيق ذاتي التي لم أحقق شئ منها حتى ذلك الوقت وبدأت أقرأ في القرآن في المكتب كل يوم ولأول مرة أكتشفت به الكثير من التناقضات وبدون تفكير وجدتني أحضر بكراسة لأكتب فيها ما أكتشفه وبعدما فعلت ذلك في حوالي ثلاثة عشر سورة تنبهت لما أفعل وارتعبت لما وجدته من تناقض في كلمات الله ومبادئ كثيرة غير سامية ولا إنسانية ولا تليق برسالة سماوية وكان من الطبيعي عندئذ أن أتوجه إلى أن أفكر بشكل صعب وهو أن أطلب من الله الحقيقي أن يكشف لي ما هي العقيدة الصحيحة ولم أجد حل إلا أنني يجب أن أحاول قراءة الكتاب المقدس وبدأت فعلاً بقرأة الإنجيل وتذكرت ذاك الذي كان يجول يصنع خيراً .. لقد أحببته بشدة ، خاصة وقد كنت أحتاج لمن يصنع معي خيراً فرغم ارتباطي بشخص أحبه وكنا علي وشك الارتباط لكن كان هناك شئ أعمق من هذا المعنى في هذا التوقيت بالذات واقتنعت بالمسيح وبدأت أقرأ أكثر وحكيت للمحامي فثار غاضباً ولكني قلت له بأنني لن أفتح ذلك الموضوع مرة أخرى وبدأت أذهب للكنائس لمقابلة الكهنة والبحث عمن يساعدني فعلت ذلك لمدة ستة أشهر في ثلاثة محافظات وطردت من أربع كنائس
!. كانوا في المنزل يلاحظون تغييراً علي تصرفاتي جزء إيجابي في العلاقة وجزء سلبي باستفزازي لهم في التحاور حول أمور الدين ولاهتمامي بأمور وأعياد المسيحيين خاصة القداس في التليفزيون وقد كسر أبي التليفزيون ذات مرة بسبب ذلك وسبني وصمم أن أترك هذا العمل لأنني تأثرت بأصحابه ولم أكن أريد في هذه الفترة إلا أن أتعمد وأعرف أكثر وأعيش حرية مسيحية فلم يكن يتاح لي أن أقرأ شئ في المنزل فكنت أنقل من الكتاب المقدس جزء في ورقة وأخذها معي وأقرأها في الليل والجميع نيام وكان صعب علي أن أصلي في كنيسة لمعرفة كثيرين لي ولأنني كنت أرتدي حجاب وكنت أصلي في المنزل وأطلب من الرب يسوع أن يحل هذا الأمر وكنت كلما صليت وفكرت أشعر بأنني لابد من ترك المنزل فلم يكن هناك حل آخر. كنت أحب أبي واخوتي جداً رغم كل الظروف أما أمي فلم تكن تمثل لي شئ كبير لأسباب كثيرة ولبعدها أيضاً. كان قرار صعب جداً أن أهرب حينما قررت ذلك فإلي أين أذهب لا أعلم لكنني سأمضي والرب سيكون معي كنت أحمل إيمان يشبه إيمان إبراهيم وكان يتمثل أمامي دائماً كنت أشعر أن الرب يدعوني لهذه الخطوة بشدة وأخذت حقيبة يدي وبها آخر مرتب لي وخلعت ذهباً قليلاً كنت أمتلكه وذلك لإحساسي بأني لابد أن أترك كل شئ وأتبع المسيح وحدي ولا أحمل سوى صليبي وأخذت حذائي تحت أبطي في الخامسة والنصف فجر الخميس ودقات قلبي تزداد سرعة خوفاً وقلقاً من أن يصحو أبي أو يراني أحد في هذه اللحظة تركت كل شئ ومضيت وركبت قطار للقاهرة وشعرت بأني أختار المسيح ولأول مرة أحقق اختياري . فكم من أشياء لم أختارها وكم من اختيارات لم تتحقق .
. وظل القطار سائراً ولم أرى ولا كنيسة طوال الطريق إلي أن توقف في محطة قريبة من القاهرة ورأيت كنيسة فنزلت وذهبت وقلت سوف أحكي قصتي لعل أحد يساعدني ولم أجد القس بالكنيسة فطلبت من السكرتيرة عنوان منزله للضرورة وذهبت له وكان رجلاً رائعاً أول من سمعني بصدق لكنه لم يستطيع أن يساعدني بشكل عملي فقد صلى من أجلي وطلبت منه أن يعطيني عنوان إحدى الكنائس التي سمعت من قبل بأن العذراء قد ظهرت فيها وأنا أعتقد بأن أحد قساوسة هذه الكنيسة سيساعدني فوصفها لي وذهبت وكانت الساعة حوالي الثانية ظهراً ولم أجد أحد بها وانتظرت حتى أتى راهباً في السابعة مساء وجلس معي في حوالي الساعة العاشرة وبدأت أحكي له فهب واقفاً وأعلن أنه لا علاقة له بهذه الأمور وأمرني بالذهاب فغضبت وبكيت وحزنت وقلت له لا يحق أن تكون كاهناً فأنت غير مسيحي وأنك لا تعرف الله ولا تمت للمسيح بصلة ورجوته أن يسمح لي بأن أبيت بالكنيسة لكنه رفض وظللت أترجاه حتى يعطيني عنوان لأي كاهن يمكن أن يبيتني للصباح ولم يفعل ذلك لكنه أعطاني عنوان إحدى الكنائس فقط فذهبت ووجدت قس هناك وحكيت له حكايتي فطلب مني أن أرجع إلى أهلي وآتي له على فترات ليتعرف عليه أكثر ويشرح لي ما يجب أن أعرفه في المسيحية وكانت هناك استحالة لأن أعود لأهلي لأن كل العلامات كانت تعرفهم بأني هربت وعندما شرحت له ذلك طلب مني أن أذهب وأنام في أي فندق وآتي له صباحاً وبالفعل بدأت أذهب للفنادق ووجدت صعوبة بالغة في ذلك ولأنني بنت بمفردها في ساعة متأخرة من الليل فقد رفض أكثر من فندق استقبالي لما كان مظهري يبديه إلى أن وافق صاحب إحدى اللوكاندات ولكنه تعرض لي ببعض المضايقات وقضيت الليل في خوف وصلاة حتى سطعت الشمس باكراً ونزلت للكنيسة وقابلت القس وظللت علي ذلك الوضع لمدة أسبوعين أتنقل بين اللوكاندات وأذهب له كل يوم ليعلمني ولما وثق في سلمني لإحدى خادمات الكنيسة لأقيم عندها بعض الأيام وهي بالطبع لم تعرف شئ عني ولما اكتشفت بطاقتي قالت لي في يوم أن أبونا يريد أن آخذ أشيائي وأذهب له باكراً وفعلت ذلك وفوجئت بعدم وجوده وأنها فعلت ذلك فقط لما عرفته عني وظللت أتنقل لمدة شهر أخر كانت هذه فترة صعبة جداً ولكني كنت سعيدة أشعر وأسير بإيمان وأن المسيح يتقدمني ثم تعمد بعد ذلك وعرفني القس علي أناس مثلي وعشت معهم وبدأت أتتلمذ وأهتم بالكنيسة وأعيش ما اخترته وبدأت أعمل كسكرتيرة في إحدى الشركات يملكها شخص مسيحي ولكنه علم بعد فترة من إحدى الموظفين أنني أذهب للكنيسة وأمر أن أترك العمل. بعد فترة بدأت أتصل بأهلي كي أطمئن عليهم واطمئنهم علي وحدث تواصل بيننا ولكنه لم يدوم طويلاً فقد عرفوا عني بعض الأمور الحقيقية وأنني انتصرت وبدأت مشكلة كبيرة فأولاد عمي من الجماعات الإسلامية ورتبوا وخططوا لمعرفة مكاني وبالفعل خطفوني يوماً ليلاً وأنا سائرة وحدي تحت ضغط وتهديد بأني إن لم أطيعهم وأركب السيارة سيأخذوني بالقوة عن طريق أمن الدولة في خلال نصف ساعة. لم يذهبوا بي لمنزل أسرتي ولكن أخذوني في شقة خالية لم يكن بها أي أساس منزلي أو أي شئ حتى مفروش علي الأرض وبدأت مرحلة من التعذيب الشديد الضرب والسب والاتهام بالكفر ومحاولة لحرقي بالنار كي أذوق معنى جهنم ومحاولة لخلع أظافر قدمي لنفس المعنى، وأسئلة كثيرة عمن عمدني ولأي كنيسة أنتمي، أسبوع كامل بلا أي طعام سوي سندوتش واحد حاولوا تقديمه لي في اليوم الثالث ولكنني رفضته لخوفي لعدم ثقتي فيهم وهم لم يكرروا المحاولة بل قالوا لعلك تموتي جوعاً. كانت تجربة صعبة جداً لكني كنت أشعر أنني قوية جداً وأن الرب يرافقني كنت أشعر بصلابة وتحدي أكثر من أي وقت مضى وبشكل معجزي رتب لي أن أخذ مفتاح الشقة واهرب حافية وبلى أي نقود لكنني رجعت إلى القاهرة كي أمارس خدمتي وعملي وحياتي التي أعيد اختيارها كل يوم. وأعيد اختيار مسيحي كل يوم وأعيد اختيار حمل الصليب كل يوم