ذاً ما هي عقيدتنا في الثالوث ؟
نقول إن الله سبحانه الذي أوجد كل واحد ذا ذات متفردة منفصلة قائمة بذاتها، هل يمكن أن يكون هو عز وجل بدون ذات إلهية؟!! حاشا. لا بد أن يكون موجوداً بذاته. والذات هي سبب الوجود، فأنا بذاتي حينما أنجبت وأصبح لي أولاد أطلق علي اسم “أب”. والله القدير خلق الخليقة وأوجدها بذاته، فهل يمكن أن نطلق عليه “أبو الخليقة”؟. نعم وبكل تأكيد، فنحن نطلق على الوجود الذاتي لله لفظ “الآب” ولا نقصد به الأبوة الجسدية الناتجة عن وجود زوجة وتزاوج وتناسل وإنجاب، بل هي أبوة روحية مثلما نقول: الرئيس أب الشعب، إبراهيم أب المؤمنين.
هذا الإله الموجود بذاته خلقني ناطقاً بالكلمة، فهل يعقل أن يكون هو بذاته غير ناطق بالكلمة؟!! حاشا لله.
ولأن العقل يفكر ويتمخض ويلد فكرة فدائماً نقول إن الفكرة وليدة العقل، كما نقول عن “الكلمة بنت شفة”، “وحللت هذه المشكلة من بنات أفكاري”، والشفاه تتحرك فتخرج كلاماً. فالكلمة ولأنها وليدة العقل يمكن أن نطلق عليها لفظ “الابن”. وهو ما سُمي في اليونانية “اللوجوس” والتي جاءت منها الكلمة الإنجليزية “لوجيك” بمعنى العقل أو المنطق لذلك نسمى نطق الله “بالابن”. ولفظ الابن لا يعنى وجود أب وأم وتزاوج وتناسل، لكن المعنى الروحي هو المقصود، مثلما تقول “ابن مصر، ابن النيل، ابن العلم، ابن الوطن، ابن السبيل
نقول أيضاً أن الله الموجود بذاته الناطق بكلمته خلقني حياً بالروح، فهل يمكن أن يكون هو ذاته غير ذلك، كأن يكون قوة أثيرية أو كهرباء أو مغناطيسية؟ !! حاشا لله، فهو الحي إلى أبد الآبدين. هذه الحياة نطلق عليها “الروح القدس”. لذلك فالله الواحد الموجود بذاته الناطق بكلمته الحي بروحه هو الآب والابن والروح القدس، ونحن بذلك لا نقول ثلاثة بل إله واحد.
من أين جاء هذا الكلام ؟
الكتاب المقدس يعلن لنا هذا الفكر في آيات كثيرة اخترتُ لك بعضها: تكوين 1: 1 “في البدء خلق الله السموات والأرض
تكوين 1: 2 “وروح الله يرف على وجه المياه
تكوين 1: 3 “وقال الله ليكن نور
مزمور 33: 6 “بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فمه كل جنودها
إشعياء 48: 16 “منذ وجوده أنا هناك والآن أرسلني السيد الرب وروحه
متى 3: 16، 17 “وإذا السموات انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيا عليه وصوت من السماء قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت
متى 28: 19 “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”. ولم يقل بأسماء لأنه واحد وليس ثلاثة.
لوقا 1: 35 “الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله”.
2 كورنثوس 13: 14 (البركة الرسولية): “نعمة ربنا يسوع المسيح، محبة الله، شركة الروح القدس مع جميعكم
ما الداعي لوجود عقيدة الثالوث؟
ظهرت بدع كثيرة وهرطقات في القرون الأولى من الميلاد مثل بدعة أريوس الذي قال إن السيد المسيح ليس إلهاً، بل هو أقل من إله. وهو ليس إنساناً بل هو أعلى من إنسان، بمعنى أنه حالة وسط بين الاثنين. فاجتمع قادة الكنيسة (318 أسقفاً) في مدينة نيقية عام 325م وبحثوا في الكتاب المقدس عن شخص السيد المسيح من هو. وكان أحد الموجودين في هذا المجمع هو بطل الإيمان القديس الإسكندري أثناسيوس الرسولي، وهو الذي قاد هذه الحملة ضد أريوس وأتباعه حتى انتهت هذه البدعة وصدر قانون الإيمان الذي يدحض فكر أريوس معلناً أن السيد المسيح هو الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس.
*بدعة أبوليناريوس الذي يقول فيها إن المسيح إنسان تأله.
* بدعة سابيليوس الذي يقول إن الله ظهر كمن يلبس قناعاً مناسباً لكل مرحلة فلبس قناع الأب حينما خلق العالم، ثم ارتدى قناع الابن ليتمم الفداء. وأخيراً لبس قناع الروح القدس ليمكث معنا ويحامي عنا ويذكرنا بكل التعاليم الصالحة.
* في القرن الخامس الميلادي ظهرت جماعة وثنية عبدت النجوم، وأطلقت على كوكب الزهرة اسم “ملكة السماء”. وعندما آمن أتباع هذه الجماعة بالمسيحية أرادوا أن تكون لهم ملكة في السماء، فأخذوا القديسة العذراء مريم ملكة لهم، وأصبح ثالوثهم هو الآب والابن والعذراء مريم. وهو بكل تأكيد ثالوث خاطئ قاومته الكنيسة في أوائل القرن السادس حتى أنهته.
ما فائدة التعليم بالثالوث؟
قصد الله بإعلانه عن نفسه أن يربي الإنسان في التقوى لكي يعرفوه المعرفة التي تجعلهم يتشبهون به في قداسته وكمال رحمته ومحبته. وهذا نجده واضحاً في جميع الأمم الذين تعبدوا لآلهة متعددة. فالذين كانوا يعبدون آلهة الحرب كانوا يرضونها بكثرة القتل وسفك الدماء. والذين كانوا يعبدون باكوس إله الخمر كانوا يرضونه بالإكثار من شربها وهكذا .
إذا القصد من تعليم الثالوث هو:
1- يرفع شأن اللاهوت ويوضح كمالاته في ذاته منذ الأزل.
2- وسيلة إعلان الله عن نفسه للخليقة: فالآب والابن والروح القدس إله واحد. فالابن يعرف الآب كمال المعرفة لذلك يقدر أن يعلنه بكماله، وكذلك الروح القدس. فبواسطة الأقانيم الثلاثة يقترب اللاهوت تمام الاقتراب إلى المخلوقات المحدودة .
3- وسيلة إتمام عمل الفداء، فالابن الأقنوم الثاني تجسد وظهر في العالم وكفَّر عن خطايا الناس وشفع في المذنبين ورتب كل وسائط التبرير والمصالحة بين الله والناس وتمم الخلاص.
4- يجعل الله مثالاً للحياة البشرية التي يجب أن تكون، وذلك فيما يتعلق بالمعاشرة الحبية والألفة الأهلية وذلك بمعاشرة الأقانيم الثلاثة معاً بالمحبة والألفة والاتحاد، فترى حقيقة الأبوة والبنوة ويتميز جنسنا عن غيره. فلو جردنا اللاهوت من كل شعور المحبة للغير لجعلناه قوة مجردة وسلبناه صفة الألفة الحبية.