! اسمي/ محمد عبد العزيز ، أقيم مع والدتي ، بأحد البلاد العربية ، ربما تكون بلدتك أنت
. وأنا من مواليد 1/1./1965 م ، وأعمل مدرساً بإحدى المدارس الثانوية ، كمدرس لمادة الفيزياء
! والدتي مديرة لإحدى المدارس الابتدائية . فنحن أسرة مستقرة ، عادية جداً
! ومثلي مثل أي تلميذ مجتهد ، حصلت على شهادة الابتدائية بمجموع عال ، والتحقت بالمرحلة الإعدادية ، لم يكن الدين قد استقر بعد في وجداني ، حيث كان عبارة عن ممارسات وطقوس ؛ لا أدري ما هي ؟! . كثيراً ما ذهبت بصحبة جدتي – لأمي – إلى أحد الموالد ، وهي تلك الحفلات السنوية التي تقام احتفالاً بأحد أولياء الله الصالحين ، ببلدتنا ، ولم أكن أهتم سوى باللعب التي كانت تبتاعها لي … إلا أن والدتي كان لها رأي مخالفاً لجدتي ، إذ كانت ترى أن كل هذا محض خرافة
وتمر الأيام ن لأتعرف على ” الجماعة ” وأعني بها ” جماعة الإخوان المسلمين ” ، ولالتحق بها كـ ” شبل ” ، إذ كنت وقتها في الصف الأول الإعدادي ، وكان سبب التحاقي هو أحد المدرسين ، والذين يشكلون الرعيل الأول لهذه الجماعة . وقد عرفت من خلال مدرسي هذا كتباً يمكن أن تسمى بالكتب الكلاسيكية في الفكر الإخواني ، منها على سبيل المثال :” التبرج ؛ الجنة والنار ؛ مختصر أحكام تجويد القرآن ؛ فقه السنة …”
وأذكر جيداً ، ذلك اليوم الذي ذهبت برفقته إلى المسجد لأول مرة ، إذ كنت حتى هذه السن ، لا أعرف كيفية تأدية الصلاة ، وأذكر ارتباكي ومحاولاتي في تقليده ! وقد كون مدرسي هذا ، مني ومن بعض زملائي بالدراسة نادياً أدبياً بالمدرسة ن وكان يحاول أن يعلمنا الشعر ، ويشجعنا على القراءة الموجهة منه ، وكان تشجيعه يتمثل في بعض المرات على الجوائز البسيطة ، إلا أنها كانت عظيمة الأثر في نفوسنا . وكانت هذه الهدايا عبارة عن : آية قرآنية صغيرة ؛ قلم جاف عادي ؛ كتيب صغير رخيص … وهذه الكتيبات هي ما كنت أهواه ، وهي ما عرفتني على أكشاك بيع هذه الكتيبات والآيات
عرفت لأول مرة مجلات الإخوان المشهورة مثل : الاعتصام ؛ والدعوة .. وهي لا تصدر الآن ، إذ كان يهديني إياها أستاذي !. إذ كانت علاقتي به وطيدة جداً ؛ حتى أنني كنت أزوره في منزله المتواضع إلا أن هذا المنزل كان يستهويني لكثرة الكتب فيه ، وكان أستاذي هذا طموحاً فرغم أنه كان مدرساً إلا أنه كان يدرس دراسات عليا في الجامعة حيث حصل فيما بعد على شهادة الدكتوراه ، وترك المدرسة ليلتحق بالعمل كصحفي في إحدى المجلات العربية !
. ورغم رحيل مدرسي هذا عني ، إلا أنني داومت عي قراءة كتب الإخوان ن وبخاصة كتابات حسن البنا – مكون الجماعة – وكذا قرأت بعض الكتابات ، من تأليف كتاب مسلمين عن مقارنات الأديان ، وهنا تدخلت والدتي بقوة وبحسم ، وذلك لإحساسها بخطورة الوضع ، بعد أن كانت تكتفي بمراقبتي ! وحاولت توجيه قراءاتي إلى ذلك النوع الذي يمكننا أن نسميه القراءة الموسوعية ، وهذا ما قادني إلى مكتبات الدولة ، والمتمثلة في قصور الثقافة ، ومكتبات المدرسة وغيرها … وكانت هذه المرحلة تعمل على تكويني ثقافياً بشكل غير موجه ، وذلك بسبب عدم وجود أحد مثل أستاذي
. وكانت المرحلة الثانوية مرحلة هادئة في حياتي ، ورغم أنني كنت مازلت متأثراً بحسن البنا ، إلا أنني كنت مطيعاً لوالدتي بالابتعاد عن هذه الجماعة ، وكنت أجد في الكتب الثقافية ، المتنوعة الكفاية ، ورغبتي في إرضاء والدتي بالتفوق .! إلا أن المرحلة الجامعية كانت تحفل بالكثير من المتغيرات ! حيث قابلت مجدداً الجماعة بأعضائها النشطين في كل مكان ، وحاولوا إلحاقي من جديد بهم ، إلا أنني رفضت ، في بادئ الأمر ، وهو ما تغير فيما بعد وذلك ، عندما وجدت صديقي ورفيقي في ذلك الوقت ، قد انضم إليهم ، وبعد أن استنكرت عليه قراره ، إلا أنني بدلت رأي متأثراً بحسن معاملتهم له ، وبخاصة في فترة وفاة والده ، وهذا ما جعلني أنضم إليهم وحتى بعد انتهائي من الدراسة
! وكانت حياتي تسير بشكل هادئ ، وكأي شاب عادي ، إلا القراءة ، وهي ما كانت تدفعني دوما للتفكير ، ودربتني – بعض الشيء – على محص الأفكار ، وذلك لتنوع قراءاتي . إلا أنني كنت أشعر بشعور غريب ، وبخاصة بعد أن قرأت كثيراً في مقارنات الأديان ، بأن هناك شيئاً ما ينقصني ، لست أدري ما هو على وجه التحديد ! كما كانت تثيرني جداً تلك الخلافات بين الأديان ، والموقف المتطرف من الإسلام تجاه الديانات الأخرى ، وبخاصة اليهودية ، فلم أقرأ سوى الذم لليهود ، والاتهام للمسيحية بالتطرف في فهمهم للمسيح ، حتى العبادة ، حتى ما سماهم القرآن – كما قال بعض المفسرين – الضالين ، وتبدل شعوري من النقد لهذه الديانات وبخاصة عندما حاولت البحث عن كتب لكتاب يهود ، أو مسيحيين ، وما دفعني للشعور بالغرابة هو عد وجود أي من هذه الكتابات في المكتبات التي كنت اعتدت التردد عليها ، بل أيضاً ما وجدته من نظرة التعجب من أصدقائي ومن صاحب المكتبة
! ورغم حرصي الشديد تجاه الماركسية ، إلا أنني بدأت أقرأ لبعض الكتاب الماركسيين العرب ، ولشد ما بهرني أسلوبهم في الكتابة ، وجرأتهم في التعبير عن أفكارهم ، بل تمادى بعضهم في نقد بعض الأفكار الإسلام الأساسية ، وبخاصة ذلك الفصل الذي تضمنه كتاب أحدهم ، عن الناسخ والمنسوخ في القرآن ، وعندما حاولت مناقشة أحد أصدقائي في العمل ، وجدته يداهنني ويستدرجني للكلام أكثر ، متجنباً إبداء رأيه ، وعرفت بعدئذ أنه كان يجمع معلومات عني ليصدرها إلى الإخوان الذين انتهروني ، وعندما حاولت المناقشة ، كان اتهامهم لي بالكفر ! لقد كان كلامهم لي بمثابة القنبلة التي تفجرت في داخلي ، إذ اكتشفت طريقة تفكيرهم السطحية ، وعدم جديتهم في المعرفة ، وهذا أدى إلى شبه انفصال عنهم .. وفي ذات الوقت ، كان يتعمق في داخلي الإحساس بالجوع الروحي ، فما كنت أجده في الممارسات الدينية ليس سوى حركات رياضية جافة ، فكيف الطريق إلى إسكات هذا النداء في داخلي ، فالقراءة لم تعد تكفي ، فالتحقت بأحد الفرق الصوفية حيث حلقات الذكر ، إلا أن هذا لم يشكل جواب لهذا النداء الداخلي ، تلك الفترة ما أقصاها .. تشعر بجوع ، ونداء غامض بداخلك ، لكنك لا تعلم سببه ، ولا تجد مصدر للصوت سوى أنه ينبع من داخلك أليس هذا بغريب ؟
. كانت هذه حالتي إلى أن وجدت كتاباً مسيحياً ، وسررت كثيراً ، فهاأنذا أجد أخيرا كتاباً عن المسيحية من تأليف مسيحي ، إلا أن المفاجأة كانت كبيرة بالنسبة لي ، إذ وبعد قراءتي لهذا الكتاب لم أفهم أي شئ عما يتحدث عنه الكاتب ، فكتابه مشحون بالمصطلحات الغريبة على ، وبحثت ، متودداً ، من أحد الجيران المسيحيين ، محاولاً سؤاله عما يحويه هذا الكتاب ، إلا أنني لم أحظى بالجواب ، فقد كان جاري هذا غير مهتم بشئون دينه ، أي يمكننا أن نسميه ” لا مبالي ” ، إلا أنه أرشدني إلى عنوان أحد خدام الله بالعاصمة ، وقررت زيارته فعلاً ، وكانت تتملكني مشاعر من الخوف والريبة ، إلا أنني قمت بزيارته ومعي كل تلك المشاعر ، وعندما قابلته لم أجد البداية في الكلام ، إذ كنت أخشى أن يقابلني أحد يعرفني فيخبر الإخوان عني ، إلا أنه احتواني بلطفه
! الصورة التي كنت أملكها في ذهني عن أولئك المسيحيين هي أنهم جهلة ، ضالين عن الحق ، والسبب أنهم يؤمنون بثلاثة آلهة ، ويتمسكون بكتاب حرفه أجدادهم ، معتقدين بتنزيله من قبل الله ! . إلا أنني فوجئت بأن هذا الخادم ذو الثقافة الموسوعية ، فعلاً ، ومعرفته عن الإسلام بهرتني جداً ! وتركته مشحوناً بدوامات من الأسئلة ، والأفكار الغير منظمة ، وعدت إلى بلدتي ، وكان كل همي هو مشاركة أحد الإخوان الكبار عما عرفته الآن ، ولكن ترى هل يفهمون ما أنا فيه فعلاً ، لأجرب
! وليتني ما جربت ، إذ قوبلت بالاتهام ، مجدداً بالكفر ، وبالضلال ، وبتحذير شديد اللهجة من هذا الأخ إن لم أبتعد عنهم سأنال عقاباً ، إلا أنه لم يفصح عن مكنون هذا العقاب
! كان رد الفعل الطبيعي هو محاولتي بالحصول على نسخة من كتابهم المقدس ، الإنجيل ، ولكنني لم أجده في بلدتي ، فقررت بالنزول مرة أخرى إلى العاصمة لأشتري واحداً ، ولكن لماذا لا أزور هذا الخادم ، لربما وجدته ! وفعلاً وجدته ، وأخبرته عن سبب نزولي للعاصمة ، وفوجئت به يهديني نسخة من الكتاب المقدس ، وشرح لي مضمون هذا الكتاب ، ولشد ما كانت مفاجأتي بأن هذا الكتاب يحوي جزأين ألا وهما : العهد القديم ، وهو كتاب اليهود ، والثاني هو العهد الجديد ، وهو الإنجيل ، وأهداني معه كتاباً مترجم ، عنوانه ” ثقتي في الكتاب المقدس ” ، ولست أخفي عليكم أيها الأخوة مقدار سعادتي بتلك الهدايا ، والتي لم أنتظر حتى وصولي إلى غرفتي ، بمنزلنا ، حيث بدأت القراءة في هذا الكتاب ، والذي كان بمثابة الصاعقة لي ، فما يقدمه ، وما يحويه ، يصعب تفنيده ، فالحجج قوية ، والأسلوب منطقي ، والمنهج علمي
لقد كان كل شئ جديداً ، وعكفت على قراءة الكتاب المقدس ، وكان يساعدني هذا الخادم بإرشادي إلى الكتب التي كانت تفيدني في الحصول على إجابات لأسئلتي ، وكان هذا الخادم ينهج معي أسلوباً ، متفرداً به عما اعتدت عليه من الإخوان ، فلا سؤال يجرمني فيه ، ورغم تمادى في الأسئلة إلا أنه لم يتهمني ولا مرة بالكفر ، بل مشجعي على امتحان أسئلتي ، مستخدماً أسلوب منطقي ، علمي ، وعندما أخبرته بإعجابي به ، قبل مجاملتي له بلطف ، إلى أن كانت المفاجأة ، إذ عرفني بأنه أخ لي ، وسرد لي خبرته مع الله ، وكيف اهتدى إلى نور معرفة الله في وجه يسوع المسيح ، وللحق فقد اربكني جداً هذا الاعتراف منه بإيمانه ، ألا يخاف مني .. ربما كنت دسيسة عليه ، لكن مقدار السلام الذي يفيض من عينيه ذكرني بحنان يسوع على الجموع وقبوله لهم رغم عدم معرفتهم بالحق ، وعندما تركته عائداً ، كانت تطن في ذهني كلماته لي : ” عن كنت تؤمن أن الله موجود فلماذا لا تكلمه ، وتسأله أن يكشف لك عن ذاته ؟ ” وتلك الآية التي كررها على مسامعي مرات ومرات ” تطلبونني تجدوني إذ تطلبونني من كل قلوبكم ” كلمات ملؤها التحدي ، ولا يمكن أن تصدر إلا من إله حقيقي الوجود ، ولم أنم يومئذ ، فلأول مرة أتكلم مع الله ، فتكلمت بخوف أولاً ، ثم تكلمت .. وتكلمت .. وتكلمت .. ومازلت أتكلم معه ، فقد اختبرت وعرفت أن الله موجود ، فهو ليس موجود بالسماء السابعة ..! فيا لفرحي الله موجود ويسمعني ، ويحب أن يسمعني ، فالفرح بدأ يتملكني ، وبهدوء .. أليس هذا ما كنت أبحث عنه ؟
! فالنداء بداخلي سكن وهدأ ، وعرفت مصدر الصوت ، إنه هو الله الذي يدعوني
. كنت حتى تلك اللحظة معلوماتي غير منتظمة ، إلا أن شعوري بالطمأنينة ، الفرح ، ساعدني كثيراً ، في قراءتي للكتاب المقدس ، والذي انفتح أمام عيني ، وكنت عندما أكتشف حقيقة ، افرح كمثل طفل أهدى لعبة كان ينتظرها وبشوق ، ومن خلال هذا الخادم ، تعرفت على أخوة لي ، فلست الوحيد الذي عرف الحق ، فيا لسعادتي
! إلا أنني كنت شديد الحذر وبخاصة مع الإخوان ، وهم الذين انفصلت عنهم بلطف ، إلا أنني ما زلت اشعر بتوجسهم مني ، حتى دسوا لي أحد الزملاء متودداً لي ، حتى ما نجح فعلاً في الحصول مني على اعتراف بإيماني بالمسيح ، فما كان منهم سوى تقديم شكوى ضدي لدى الأمن ، اتهموني فيها بالتبشير ، وإثارة الفتنة الطائفية ، رغم أنني لم أحاول فرض إيماني على أحد ، وكيف يكون لي ذلك
وفي مكتب الأمن ، حاولوا معي بأنواع كثيرة ، منها الترهيب ، ومنها الترغيب ، وبعد أن حجزوني ثلاثة أيام في أحد الغرف ، استدعوني لأجد أحد الشيوخ ليحاورني ، فيهدني إلى الرجوع إلى الإسلام ، ورغم ما عرف عني بأنني شخص “جبان ” ، إلا أنني وبهدوء لم أعرفه من قبل ، سوى تلك الليلة الأولى التي تكلمت فيها إلى الله ، جاوبته ، ولم يجيبني ، وهكذا وبكثير من الإهانات أمروني بالرجوع إلى البيت وتحذيري من الاتصال بهؤلاء الكفرة ، ولم أقبل فأثاروا ضدي والدتي ، ومدير مدرستي الذي بدوره نقلني إلى بلدة بعيدة نائية الأطراف ، ولم يدركوا بأنهم بذلك ساعدوني ، فما كنت احتاجه فعلاً هو الهدوء ، ولم أقطع علاقتي بأخوتي ، ولا بكم …
فهل تصدقون يا أخوتي أن الله موجود ، فلماذا