يُعد الكتاب المقدس مكتبة مكونة من مجموعة كتب يبلغ عددها 66 كتاباً . غير أنه وحدة واحدة . إنه لا يتألف من كتابات مبعثرة لا يجمعها هدف مشترك ، بل ان كل سفر من الأسفار الستة والستين لا يمكن الاستغناء عنه ، وكل من يقرأ الكتاب المقدس بتمعّن لا بد أن يتحقق أن هناك وحدة في الكتاب تجعل منه كتاباً معجزياً . فالكتاب المقدس وحي إلهي ومعجزة جدير بالثقة المطلقة .
اولاً معجزة في تكوينه : فالعهد القديم يتكون من أسفار موسى الخمسة ، الأسفار التاريخية من يشوع الى استير ، الأسفار الشعرية من ايوب الى النشيد ، الأسفار النبوية من اشعياء الى ملاخي . ويتكون العهد الجديد من : أسفار تاريخية من متى الى الاعمال ، وأسفار تعليمية من رومية الى يهوذا ، ثم السفر النبوي العظيم : الرؤيا . وقد قام بكتابة الأسفار الـ 66 نحو اربعين كاتباً ، عاشوا في بلاد مختلفة ، ويتكلمون بلغات مختلفة ، ونشأوا في بيئات مختلفة ؛ فمنهم الملك ، والطبيب ، والراعي ، وجابي الضرائب ، واللاهوتي ، والكاتب ، وصياد السمك . وقد استغرق زمن كتابته 1600 سنة . فهل يمكن ان يكون هناك تواطؤ بين كتّابه الذين فصلت بينهم البلدان والأزمان ؟! . حقاً ان الكتاب المقدس معجزة .
ثانياً مصدره الإلهي : الله هو المؤلف ، لكنه استخدم 40 كاتباً من البشر عهد إليهم أن يدوّنوا أقواله ، وكانوا يبدأون كتاباتهم بالقول “هكذا قال الرب …”. وهذا التعبير يرد ذكره مئات المرات منها ” خروج 24 : 1 و 24 : 4 وفي سفر اللاويين فقط نجد 65 دليلاً على أن الله هو مؤلفه الحقيقي . ونفس الشيء يمكن ان يقال بالنسبة للأسفار التاريخية ، الشعرية ، والنبوية . أما بالنسبة للعهد الجديد فهو مؤسس على العهد القديم ، فنجد في أسفار العهد الجديد عشرات الاقتباسات من العهد القديم فالرب يسوع نفسه ، والبشيرون ، وبولس ، وبطرس ، ويعقوب ، ويوحنا ، قد برهنوا بما اقتبسوه من العهد القديم على أن مصدره إلهي وانهم جميعاً قد كتبوا “مسوقين من الروح القدس” ، المؤلف الحقيقي للكتاب المقدس المعجزة الإلهية .
ثالثاً دقة عباراته : يدَّعي البعض ان الكتاب المقدس مليء بالأخطاء والعبارات غير الدقيقة ، لكن علينا ان نعرف ان الكتاب المقدس يحوي اشياء كثيرة عسرة الفهم ، تحتاج الى استنارة كافية لفهمها ، الأمر الذي لا يتوفر للقارئ العادي . لكن سرعان ما يزول الغموض الذي يحيط ببعض اجزاء الكتاب بعد دراسة دقيقة بروح الصلاة . ولم يتوفر حتى الآن دليل واحد على عدم دقة الكتاب ، بل على العكس ، نجد انه مع تقدم العلوم الحديثة تتوافر البراهين على صحة الكتاب المقدس من النواحي التاريخية والجغرافية والجيلوجية وغيرها .
رابعاً تكامل اعلانه : يزداد الإعلان الإلهي في أسفار الكتاب تكاملاً حتى نصل الى سفر الرؤيا لنلتقي بقمة الإعلان الكامل عن الحق . حيث تقدم لنا الأسفار الستة والستون كل ما نحتاج ان نعرفه عن ذواتنا ، عن الخطية والموت ، عن السماء والجحيم ، هذا بخلاف ما نعرفه من الكتاب عن الله وطبيعته ، عن المسيح ومحبته والفداء الذي أكمله … فالإعلان الذي يقدمه الكتاب المقدس إعلان كامل ، ومن هذه الناحية فالكتاب المقدس معجزة إلهية .
خامساً تحقيق نبواته : إن الكتاب المقدس حافلاً بالنبوات ، وما النبوات إلا تاريخ سبق تدوينه ، وما تم منها حتى الآن ليس إلا جزءاً يسيراً ، لكنها تحققت بالحرف . ونبوات الكتاب تتعلق بأماكن وأحداث وأشخاص . وما ورد في العهد القديم من نبوات تختص بشخصية المسيح قد تمت حرفياً في حواث ميلاده ، وحياته ، وخدمته ، وموته ، وقيامته ، وصعوده . وعلى سبيل المثال نجد ان أكثر من ثلاثين نبوَّة تتكلم عن القبض عليه ومحاكمته وصلبه قد تمت حرفياً خلال الـ 24 ساعة التي سبقت موته ، فبماذا نفسر قدرة الكتاب على التنبؤ بالمستقبل إلا بأنه معجزة إلهية ! .
سادساً وحدانية رسالته : توجد رسالة واحدة تجمع بين أسفار الكتاب ، وحيثما قلبت صفحاته تجد هذه الرسالة لا تتغيَّر . انها رسالة محبة الله للبشرية الساقطة ، وعطية ابنه ربنا يسوع المسيح ، وتدبيره للخلاص ، ومطاليب العدالة الإلهية التي استوفيت كاملة على الصليب . هذه هي رسالة الكتاب الوحيدة والعظيمة ، وقد سبق الكلام عنها ابتداء من تكوين 3 : 15 في صورة نبوَّة ، ثم يرد ذكرها في كل الكتاب حتى نصل الى يوحنا 3 : 16 حيث نقرأ عن محبة الله للخطاة مما جعله يبذل “ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به” ، ويستمر ذكرها حتى نأتي الى سفر الرؤيا 22 : 17 حيث نجد هذه الرسالة مقدمة لكل الخطاة ليقبلوا دعوة الإنجيل : “من يعطش فليأت ، ومن يُرد فليأخذ ماء حياة مجاناً” . فكيف نفسر هذه الظاهرة ، ان الكتاب المقدس يتضمن رسالة واحدة وحيدة ، إلا بأنه معجزة إلهية .
“كل الكتاب موحى به من الله ، ونافع للتعليم والتوبيخ ، للتقويم والتأديب الذي في البر” تيموثاوس الثانية 3 : 16
شكراً لله لأجل الكتاب المقدس الذي أعطي لنا بوحي إلهي ، وله كل السلطان ، وهو جدير بالثقة المطلقة . فليتنا نحبة ، ونؤمن به ، ونتعلمه ، ونمارسه تعاليمه ، ونقدمه للآخرين .