لا تخف لأني فديتك دعوتك باسمك، أنت لي
ولدت في أسرة مسلمة ولم يكن هناك أي شخص من أسرتي الصغيرة متدنياً بشكل مبالغ فيه، ولكن كان لي أحد أقاربي وهو قيادي بارز بأحد الجماعات الإسلامية، وقد بدأ اختباري في عام ** عندما تم الإفراج عن قريبي هذا والذي كان معتقلاَ لمدة ثلاث سنوات في قضية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. وبعد خروجه من المعتقل وحضوره إلى زيارتنا في المنزل دعاني إلى الذهاب معه إلى أحد المساجد المجاورة لمنزلنا؛ ولم يكن المسجد أكثر من مجموعة حوائط خشبية وبعض الحُصر الملقاة على الأرض. وفي أثناء هذه الزيارة إلى المسجد قدمني قريبي إلى <ع> وهو أحد زملائه بالجماعة، وبدأ ترددي على هذا المسجد بشكل منتظم ويومي إلى أن جاء اليوم الذي تزوج فيه <ع> وفي أثناء عقد زفافه قابلت مفتي هذه الجماعة وهو شيخ ضرير ذو شخصية غير عادية؛ فبالرغم من عجزه إلا أنك تشعر أنه يرى كل خلجاتك. بعد فترة من مقابلتي للدكتور ـ كما كنا نناديه ـ طُلب مني أن أرافقه بعض الوقت حيث أن باقي الأفراد المكلفين بهذه المهمة قد تم اعتقالهم مؤخراً. وبدأت بمرافقة الدكتور وكنت في نفس الوقت أقوم بالقراءة له، ولم تكن تمضي بضعة أيام إلا ويعطيني أحد أفراد الجماعة كتاباً أو كُتباً على سبيل الهدية. وفي أوائل صيف ** ذهبت إلى أسيوط بجنوب مصر حيث كان من المفترض أن ألتزم بمعسكر أعداد هناك. وبعد وصولي إلى أسيوط اكتشفت أن من ضمن برنامج المعسكر التدريب على الرماية، تصنيع القنابل اليدوية، زرع المتفجرات، وتهريبها. كانت كل هذه الأشياء بالنسبة لي صدمة لم أحتملها، وظننت في بادئ الأمر أن هذه المجموعة تسيء فهم الإسلام وتخلط السياسة بالدين إلى آخر كل ما كنا نسمعه من الأعلام الرسمي وقتها. وقررت أن أقوم بدراسة متأنية للقرآن والحديث؛ وفعلاً فعلت وبعد حوالي 9 أشهر من الدراسة واكتشافي أن ما تقوم به هذه الجماعة هو فعلاً صحيح الإسلام وأن ما عداه كفر (حسب المفهوم الإسلامي) قررت أن أترك كل شيء تقريباً وتحولت من الإيمان ـ كما كنت أفهمه ـ إلى اللإحاد التام وكنت أقول “إن الله فعلاً موجود ولكن ليس لنا به حاجة” في هذا الوقت كان لي صديق مسيحي قرر أن يتحول إلى الإسلام وكنت أنا أتهمه بالغباء وبأنه جاء من ديانة تستغفله إلى ديانة تستغفل العالم كله. وكنوع من الفضول وحب الإطلاع بدأت أقرأ في الكتاب المقدس وقد كنت سرقت نسخة من الكتاب المقدس من بيت صديقي هذا!
أُعجبت كثيراً بنشيد اللأنشاد كحالة عشق راقي ولكني لم أكن أفهم كيف يفسرها اليهود أو المسيحيون. في هذه الأثناء تحولت ومنذ أن تركت الجماعة إلى تعاطي المخدرات، وحدث أن كان هناك ألم ببعض أسناني فذهبت إلى طبيب شيوعي أعرفه فأعتذر لي بسبب عدم فراغه وطلب مني أن أذهب إلى طبيب صديق له. وذهبت إلى هذا الطبيب والذي كان مسيحياً ووجدتني منجذباً إليه بشكل غير طبيعي، فكنت كلما أشعر بضيق أذهب إليه مدعياً أن أسناني تؤلمني؛ وبعد فترة قصيرة طلب مني هذا الطبيب أن أتوقف عن المخدرات حتى ولو لفترة أسبوع لكي يتمكن من إعطائي حقنة مخدر. وتوقفت وكانت النتيجة أن أُعيد أمامي شريط للعامين الذين قضيتهما في تناول المخدرات وشعرت بكم هائل من الحزن والاضطراب والاشمئزاز من كل ما أره. وذهبت إلى هذا الطبيب وأنا في حالة انهيار كامل فما كان منه إلا أن قام بالاعتذار لمرضاه وإغلاق باب العيادة وظل يحكي معي حتى ساعات الصباح الأولى، لا أذكر كلمة مما قال؛ ولكن كل ما أعرفه وأذكره هو أنني وجدت شخص يعرف كيف يمكن أن يحب الأخريين بدون سبب منطقي. بعد بضعة أيام طلبت منه كتاب مقدس ـ بالرغم من امتلاكي واحد ـ فقال لي من الممكن أن تذهب وتشتريه من أي مكان، فأجبته لكنك لو أعطيتني هذا الكتاب فهذا يعني ضمناً أنك موافق على أن أقرأه، ويعني أيضاً أنك ستساعدني في حالة عدم الفهم؛ فقال إذا كنت تريد أن تسأل فاذهب إلى القس: *** فقلت له: لا أريد أن أتعامل مع قساوسة أو مشايخ أو أي شكل من أشكال تجار الدين. وقبل أن أكمل شجاري قال لي إن هذا القس حاصل على شهادات في الدراسات الإسلامية كما في المسيحية. وكنتيجة لحب الاستطلاع ذهبت إلى الكنيسة التي يرعاها القس (وقديماً قالوا: “حب الاستطلاع قتل القطة” ولكنه هذه المرّة أحياها) عندما ذهبت إلى الكنيسة لم أقابل القس لانشغاله وقابلت أحد خدام الكنيسة الذي بدأ يتحدث معي على أساس أني مسلم ـ بالرغم من إلحادي الكامل ـ وأخذ يحاول أن يثبت لي صحة العقائد المسيحية من القرآن ـ بالرغم من عدم إيماني به ـ وبعد عدة أيام قابلت خادماً أخذنا نتحدث عن أشياء كثيرة جداً، وعن علاقة الله بالأرض، ولماذا أعطانا الإرادة إذا كان يعلم أننا سوف نستخدمها ضده ـ فكرياً ـ وأستمر الحوار بيننا عدة أسابيع إلى أن طلب مني أن أذهب معه إلى أحد المؤتمرات الشبابية وهناك رأيت أشخاص يعيشون بشكل لم أكن أعرفه قبلاً. في تلك الفترة كان هناك عناد داخلي أن أعترف بأني قد وجدت الحق ولم أنتبه إلا عندما سمعت كلمة يقولها أبي عندما رأى الكتاب المقدس معي “خلي بالك اللي بيقرا البتاع ده بيبقى مسيحي” لم أفهم في البداية ما الذي يعنيه ولكني فهمت عندما أحسست أن المسيح بدأ يتغلغل في كل فكري صرت مقتنعاً بكل ما كنت أعتبره أساطير.
وفي أحد الأيام طلبت من أحد الخدام أن يصلي معي، وطلبت الرب مؤمناً أنه لن يرفضني؛ ومؤمناً أيضاً أن التبعية له اختيار حر يجب أن أقوم به وأنا في كامل وعيي وليس تحت أي تأثير عاطفي. ولم أكد أبدأ صلاتي حتى هرعت من الغرفة فقد أحسست بالرعب والرهبة والشوق والكثير من الأحاسيس المتضاربة في وقت واحد؛ وتيقنت إن الله حي هنا والآن. بعد أن قبلني الله أبناً ظللت فترة في القوات المسلحة حيث كنت أؤدي الخدمة العسكرية، وفي هذه الفترة قام أبي بجمع جميع الكتب المسيحية التي عندي وقام بتسليمها إلى مباحث أمن الدولة؛ الذين بدورهم قاموا باستدعائي للتحقيق وتُركت بعدها بعدة ساعات. بعد إنهائي التجنيد عملت بأحد محلات القطاع الخاص؛ ولكن بعد فترة تركت العمل وققرت التفرغ الكامل لخدمة من أحبني وبذل نفسه لأجلي. وبعد فترة قُبض علي بواسطة مباحث أمن الدولة اعتقلت لمدة 11 شهر. وبعد خروجي من المعتقل قابلت المرأة التي أعدها الله لي وتزوجنا، وأنا الآن في انتظار أن أنهي دراستي اللاهوتية لكي أتمم دعوة الله لي للعمل في وسط أخوتي حسب الجسد.
بسام خوري