· جاوبني أولُهم قائلاً: إن النبي عيسى عليه السلام، ولأنه يعرف الغيب، عرف أنكم أناس لا تستحقون نعمة وجود الكتاب المقدس الصحيح بين أيديكم لأنكم ستغيِّرون ما به من أحكام وأقوال، فأخذه معه حينما رفعه الله إليه، وأعاده إلى مكانه الطبيعي في السماء العليا عند العرش.
ثم قال لي ثانيهم: في العصور الوسطى، عصور الظلام الفكري وسيادة الكنيسة وتسلطها منعت الشعب من الإطلاع على الكتاب المقدس، وقصرت معرفته على الآباء الكهنة فقط لدرجة أنهم جاءوا بالنسخة الأصلية بعد ربطها بسلاسل من حديد وطرحوها في أعماق المحيط حتى لا تكون في متناول أحد. وبذلك اختفت وضاعت. وما بين أيديكم اليوم هو تأليف وتزوير ومحض افتراء.
· قال ثالثهم: قالوا لنا إن النسخة الأصلية موجودة فقط مع رؤساء الطوائف الثلاث الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية، أما عامة الشعب فليس لديها إلا المُحرف.
ثم تابعت سؤالي: هل قرأت الكتاب بنفسك حتى تكتشف زيفه وتحريفه؟ وكان الرد من الجميع بالنفي.
إذاً أين التحريف؟ هل حُرِّف الكتاب كلُّه وكُتب آخر جديد؟ أم هل تحرف جزء منه؟ أم هل تحرفت عدة آيات؟ إذاً أين هي؟ هل يمكنك أن تشير إليها حتى يمكننا البحث وإجلاء الحقيقية؟ والرد: لا نعرف.
وهنا تأتي المشكلة الكبرى: أنت تؤمن أن التوراة والإنجيل تنزيل العلي حسب كتابك الكريم، فالله سبحانه هو مصدره، مؤلفه ومرسله. فأين كان سبحانه حينما تم التحريف؟ هل يمكن أن تتجرأ وتقول إنه لم يعرف بالتحريف؟ سبحانه علام الغيوب الذي هو على كل شيء قدير.
أم أنه لم يبالِ به، وبعد أن نزَّله لم يعُد يعنيه منه شيء، وليكن ما يكون!!!
إن دعوى التحريف تنسب لله تعالى صفات غير صفاته:
– تنسب إليه عدم الحب: فالرسالة التي أرسلها لنا ليعلن فيها من هو وما يطلبه منا، ترسم لنا الطريق للعودة إلى الفردوس المفقود بخطأ أبوينا آدم وحواء، ما هو هدف حياتنا، أين سنكون في آخرتنا، إنها إعلان حب من إله محب يهتم بخليقته التي أوجدها، كما يهتم الآب بأولاده والراعي برعيته!! فبعد كل هذا يترك رسالته لتتغير وتتبدل، وتكون النتيجة هلاك خليقته وتركهم للمخادعين دون من يحمي أو يعتني؟! إننا بذلك ننسب لله أنه إله غير محب، لا يهتم ولا يعتني ولا يبالي. سبحانه عز وجل لأنه علا عن ذلك علواً كبيراً.
– إنه إله غير قادر: أن يحفظ رسالته وكلمته من التغيير والتبديل والتحريف. إن الحكومة التي تصدر قانوناً، تصدره بدافع الاهتمام بالرعية فالقانون لصالحها، وتقوم بتنفيذه لتعلن هيبتها وقدرتها، والحكومة التي لا تهتم بتنفيذ القانون هي حكومة ضعيفة لا تهتم برعيتها، والرعية لا تهابها ولا تقدِّرها، فتعم الفوضى ويسود قانون الغابة في أراضيها. فالذي يقول إن الله عز وجل لم يحفظ رسالته وقانونه الأدبي والأخلاقي، وترك الناس يغيرون ويبدلون فيما أعلنه، ينسب له عدم القدرة على حفظ قانونه. وحاشا لله أن يكون كذلك، فهو كلي القدرة، القوي الذي يستطيع كل شيء ولا يعسر عليه أمر الذي بيده أمرنا وهو على كل شيء قدير.
إنه إله غير قدوس: إن دعوى التحريف تنسب لله عدم القداسة، فكيف لنا نحن الخطائين الذين ارتكبنا كل إثم وفجور، كيف ندخل إلى قدس أقداس العلي، في كتابه العزيز المقدس، ونغير ونُحرف؟!! هل يمكن أن تهزم الظلمة والنجاسة النور والقداسة، أو تختلط بهم؟
.. حاشا لله.