(شهادة مصطفي)
في صباح أحد أيام الصيف بعد تناولي طعام الإفطار بالمنزل ذهبت إلي مكتب الجريدة. وأثناء تأديتي لعملي اليومي بالمكتب استدعاني رئيس التحرير. ذهبت لرؤيته معتقداً أنه سيسند لي وظيفة جديدة.
كان ترتيبي الثاني في أسرة بها خمسة أطفال. وبعدما أكمل والدي دراسته في المعهد الإسلامي وحفظ القرآن عمل بالسياسة ولفترة طويلة أصبح رئيساً لإتحاد العمال. ومثل كل الأسر العادية المحافظة اهتمت أسرتي بتعليم أطفالها وخاصة العقيدة الإسلامية.
وكنت أعمل في ذلك الوقت في عمل صحفي خاص في إحدي الجرائد الكبري في بلدي. ولأنني التحقت بعدة مدارس وأجريت العديد من الأبحاث اعتقدت إدارة الجريدة أنني سوف أنجح في وظيفتي الجديدة.
كان مدير تحرير الجريدة صغير السن ونشيطاً ولا يساوم علي تنفيذ أفكاره ويبذل كل ما في وسعه ليزيد من توزيع الجريدة. وفي أحد الأيام قال لي : “أنت تعلم أن الدبلوماسيين الأجانب هاجمتهم منظمة إرهابية أرمنية تدعي “أصالة”. وطبقاً لمعلوماتي فإنها تحول من الكنائس في تركيا. إذهب إلي الكنائس وعرفهم بنفسك علي أنك أرمني وأجري تحرياتك.
وبعد حديث مدير التحرير تركت مكتبي بالجريدة وذهبت للمنزل لتغيير ملابسي. وانشغلت بعمل الخطط. كيف وأين أبدأ ؟ بدأت أتحري الأمر في البداية بطريقة سطحية من الخارج. أول كل شئ اشتريت كتاباً به أسفار موسي الخمسة وقرأته كما قرأت العهد الجديد (الكتاب المقدس) لم يكن الكتاب المقدس بالنسبة لي غريباً لأنني تلقيت تعليماً دينياً متعمقاً منذ طفولتي كما أنني درست القرآن. وأنهيت قرآتي في فترة وجيزة.
بدأت بزيارة الكنائس الموجودة في استطنبول. وعرفتهم بنفسي علي أنني ابن عائلة أرمنية وأعمل كبائع في أحد المحلات. وفي فترة وجيزة أصبحت واحداً من الاجتماع. وفي نفس الوقت أقمت علاقة مع تاجر في “المتجر الكبير”. ورغم عمق علاقتي بهم لم أر أية علاقة لهم بالمنظمات الإرهابية.
وبعد شهر ذهبت لمكتب مدير التحرير وشرحت له كل شئ. وقال لي : “إنك لم تكن جاداً في مهمتك. أنا أرفض قصتك هذه لأن من أخبروني بذلك لا يمكن أن يكونوا مخطئين. إذهب مرة أخري واكتب لي تقريراً آخر وأنا في انتظارك”. وبدون أي اعتراض رجعت مرة أخري لأجري تحرياتي عن الكنائس. وحاولت أن أقيم علاقة أقرب مع الذين يحضرون إلي الكنيسة. وعندما رأي قسيس الكنيسة أنني أحضر بانتظام إلي الكنيسة قال لي : “لدينا كل يوم سبت اجتماع خاص لتعليم العقيدة. وهو للمسيحيين فقط. وهو يهدف لتعليم المسيحيين مبادئ عقيدتهم وكنيستهم”. ولأنني اعتقدت أنني بذلك سوف أشارك في اجتماعاتهم السرية وافقت علي الحضور بكل سرور. وبعد معرفتي لمكان وزمن الاجتماع غادرت الكنيسةز
عقد الاجتماع يوم السبت الساعة الخامسة عصراً في بدروم الكنيسة وذهبت إليه وانتابني شعور بالإثارة. وعرفني القسيس بالمجموعة التي حضرت الاجتماع. وصلي الحاضرين من أجلي لكي تكون لي الفرصة لأتعرف علي المسيح بطريقة أفضل. وبينما كانوا يصلون من أجلي كنت أسخر منهم وأضحك في داخلي لأنني كنت أعلم أن كتابهم المقدس قد حرف وأن المسيح لم يمت علي الصليب (وهذا ما يعلمه القرآن). وكنت أعتقد أنهم “مجموعة من الأغبياء” لأنني أعرف الحقيقة. إنهم يؤمنون بالمستحيل الذي لا يمكن تصديقه ويجعلون لله شريك. الله واحد أحد لم يلد ولم يولد. وأنا في وسط هذه الأفكار انتهي الاجتماع. وبدأ كل واحد يستعد لمغادرة المكان وقالوا لي : “سوف نصلي من أجلك في منازلنا وقد سررنا جداً بوجودك معنا”. وكان عدد من الحاضرين مسلمين ولكنهم تحولوا للمسيحية. وعندما أخبرني القسيس أن هذا الاجتماع للمسيحيين فقط شعرت بنوع من الاهتمام لمعرفتي أن البعض منهم كانوا أصلاً مسلمين واعتبرت هؤلاء كخونة ضلوا الطريق واجتازوا عملية غسيل للمخ. ولكن كيف تم ذلك ؟ وكان علي أن أجد إجابة لهذا السؤال.
تركت الاجتماع ورجعت للمنزل حيث أخبروني أن رئيس تحرير الجريدة اتصل بي وترك لي رسالة وشعرت بنوع من الضغط لأنه بالرغم من أنني بدأت تحرياتي منذ ثلاثة أشهر فلم أجد حتي الآن أية جوانب سلبية لأكتب عنها. ولهذا جلست وكتبت عن كل الناس الذين التقيت بهم حتي هذه اللحظة. لم أكن مسروراً بسبب أولئك الذين تحولوا من الإسلام إلي المسيحية ولا حتي بأولئك الذين حضروا الاجتماع. وفي اليوم التالي بعد حضوري اجتماع يوم الأحد كتبت الصورة النهائية لمقالتي المطلوبة في الجريدة. وذهبت للجريدة يوم الإثنين ورأيت رئيس التحرير. وعندما رآني صاح بغضب قائلاً : “أليست لديك الجرأة لتخبرني لماذا لم تجد شيئاً ضد هذه الجماعة”. وسلمته مقالتي وقرأها بكل الاهتمام وقال “سوف تواصل كتابتك لمثل هذه المقالات أسبوعياً واذهب إلي المحاسب لتأخذ مكافأتك”. وسررت كثيراً لهذا. وأخذت المكافأة وتركت المكتب وشعرت وكأن حملاً ثقيلاً إنزاح عن كاهلي.
ونظراً لأنني بدأت في عمل تحرياتي عن هذا الأمر تعاملت بحذر مع من حولي. إتصل بي أصدقائي وتركوا لي عدة رسائل ولكن لم أتمكن من الرد عليهم. واكتشفت أن أحد أصدقائي المقربين بدأ يؤمن بمبدأ التجسد من جديد. وبمساعدة هذا الصديق أعددت سلسلة من المقالات عن هذا الموضوع. وفي البداية كان الأمر مشوقاً بالنسبة لي. ولكن لأن الفكرة هي ضد ما جاء في القرآن فقدت اهتمامي بها. وحاولت أن أقرأ بعض الكتب عن الموضوع.
ولأنني شعرت أنني عاملت صديقي بطريقة سيئة دعوته للعشاء وقبل الدعوة قائلاً لي “لقد انشغلت كثيراً وأنت تحاول أن تحصل علي معلومات عن هؤلاء الناس التافهين. دعنا نستمتع بهذه الليلة”. والتقينا وتناولنا طعام العشاء وجري بيننا حديث جاد وخاصة عن إعادة التجسد وقد حاول أن يقنعني بهذه الحقيقة. وبعد حديث امتد إلي منتصف الليل رجعت للمنزل. لقد استمتعت بهذا الحديث وشعرت أنني كنت بحاجة إليه منذ مدة طويلة.
وفي الصباح بدأت كعادتي بزيارة أصحاب المحلات المسيحيين. وكنت أجلس معهم شاعراً بنوع من الشك وأسأل نفسي ما إذا كنت سأحصل منهم علي معلومات عند حديثي معهم. وبعد يومين قرأت عنواناً في جريدة “اصطادهم القسيس” وذكر في المقالة أسماء المسلمين الذين تحولوا للمسيحية وقال الكاتب أن مثل هؤلاء الناس قد يكون لهم صلة بمنظمات إرهابية. واشتملت المقالة علي قائمة بأسماء الذين يحضرون اجتماع يوم السبت. وتسببت هذه المقالة في إحداث صدمة للمجتمع المسيحي. وعندما كنت أسمع هذه الأخبار في الكنائس التي حضرتها كنت أشعر بسرور داخلي وحتي لا يشكوا في كنت أتظاهر بنوع من الضيق.
وجاء يوم السبت وذهبت للإجتماع كعادتي. وخيم علي الاجتماع سحابة من الحزن. وبدأ القسيس يتحدث عن الأخبار التي ذكرت في الجريدة. وقال أن فكرة الناس عن الكنيسة وعن الذين يحضرونها بدأت تتغير وقد أساء الناس فهمهم. وأضاف أن المؤمنين بالمسيح يجتازون محنة “دعونا نصلي من أجل أولئك الذين يساء فهمهم”. وبدأ الجميع يصلون حتي أنا صليت بصوت مرتفع وقلت : “يارب ساعد إخوتي الذين يساء فهمهم وأعطهم صبراً وقوة علي الاحتمال وأعلن الحق للناس”. وكنت مضطراً لهذه الصلاة حتي لا يشك في أحد : وإن كنت في الظاهر أشعر بنوع من الضيق ولكني كنت فرحاً للغاية في داخلي. وقلت لنفسي : “إنه لأمر طيب أن يحدث هذا. هل تركت الإيمان الحقيقي والإسلام واخترت المسيحية الغربية”. وبعد ذهابي لاجتماع الأحد رجعت للمنزل وكتبت مقالتي الثانية وأرسلتها للجريدة.
ومن ذلك الوقت فصاعداً بدأت تحرياتي تركز علي أمر مختلف. وقلت إن الهدف الرئيسي للمحاربين الأرمن. هو التحول إلي الإجتماعات الدينية السرية. وأن مثل هؤلاء الناس يمكنهم العمل مع الجماعات الإرهابية. وكنت أحتاج إلي صورة تدعم مقالتي. واستأجرت مصوراً صحفياً وعرفته بزمن ومكان الاجتماع وشرحت له الخطة عدة مرات ليأخذ الصورة أثناء الإجتماع.
ذهبت إلي الاجتماع يوم السبت كالعادة. وتحدث المجتمعين بنوع من الحزن عن سوء معاملة جيرانهم لهم بعد سماعهم هذه الأخبار. وقالوا إن جيرانهم سألوهم عن مدي علاقتهم بالجماعة الإرهابية الأرمنية التي تسمي “اصالة” ولماذا يحضرون مثل هذه الاجتماعات السرية. ولأنهم لم يصدقوننا عاملونا معاملة سيئة. ياتري من أعطي لهم هذه المعلومات عن اجتماعاتنا السرية والتي بسببها بدأوا ينظروا إلينا بنوع من الشك.
ولكي لا يشكوا في بدأت ألعن الصحفي الذي كتب المقال. ورغم هذا قالوا لي “إهدأ ولا تلعنهم. لا تنس أن يهوذا الإسخريوطي فعل نفس الشئ مع المسيح. ويجب علينا أن نشكر الله من أجل هذا الموقف لأن المسيح قال “بسبب إيمانكم بي سوف تضطهدون. طوبي لكم إن قالوا عليكم كل كلمة رديئة. إفرحوا وتهللوا لأن أجركم عظيم في السموات”. وسألوني “هل تعرف كلمات يسوع هذه ؟” فقلت نعم أعرفها ولكن هذا نوع من النفاق. فأنتم حزاني بسبب هذه الأكاذيب ضدكم ولهذا فأنا لعنتهم. فقالوا “يا أخي لا تلعنهم إن الله يعرف الحق وسوف يعلنه لهم في قلوبهم”. وقمت بدوري خير قيام. وفي منتصف الاجتماع تشتت انتباههم بسبب ضوء فلاش الكاميرا. وهرب الرجل الذي أخذ الصورة. وحاولوا الإمساك به ولكن لم يتمكنوا من ذلك. ثم اجتمعوا ثانية وبدأوا يصلوا ثم انتهي الاجتماع وذهب كل واحد إلي بيته.
واعتقدت أن حادثة أخذ الصورة كانت في صالحي ولن يشكوا في لأنني كنت معهم في الاجتماع عندما أخذت الصورة. وسارت الأمور سيراً حسناً. ورغم ذلك فإن أسلوب معاملتهم أثار تفكيري. لقد عاملتهم معاملة سيئة ورغم هذا عاملوني بكل لطف وفرح. ولكن مازالت فكرتي عنهم أنهم أناس أغبياء وأن كتابهم محرف.
وذهبت إلي رئيس التحرير وتحدثت معه عن كل المعلومات التي كتبتها عن الكنائس التي قمت بزيارتها وقال لي : “إن هؤلاء الأغبياء يؤمنون بكتاب محرف وبأن المسيح قد مات بالرغم من أن القرآن يقول عكس ذلك ولكنهم غيروا كتابهم وأن المسيح صعد إلي السماء من غير أن يموت. إنني أحتقرهم لأنهم تحولوا من الإسلام إلي المسيحية”. وكان رئيس التحرير يعلم أن والدي رجل دين وأنني تعلمت القرآن منذ صغري وأنني أوافق علي كل ما قاله وبدأنا نضحك سويا.
وبعد أن تركت مكتب رئيس التحرير بدأت الأمور التي تحدثنا عنها سويا تطرق ذهني بقوة : أسفار موسي الخمس، الكتابات عن الأنبياء، تحريف الكتاب المقدس، المسيح لم يمت علي الصليب..
أنا أعلم أن كل هذه الموضوعات تؤخذ علي أنها حقيقية ومكتوب عنها في القرآن. وقد قرأت القرآن عدة مرات وكانت لي دراسات إسلامية خاصة. كما أن والدي العالم الإسلامي قال نفس الشئ. ولكني تساءلت أي آية في القرآن تقول بأن الكتاب المقدس محرف ؟ واستمر تفكيري في هذا الأمر لعدة ساعات. بعد كل هذه الدراسات الإسلامية التي قمت بها كيف لا أتذكر هذه الآية ؟. وكان هذا الأمر صعب علي للغاية ولكنني كنت متأكداً من معلوماتي أن الكتاب المقدس قد حرف. وبعد تجوالي في الشوارع حتي منتصف الليل رجعت للمنزل وبدأت أبحث في كتبي. وفي أثناء ذلك لم أستطع أن أنظر للقرآن بنوع من الرهبة الروحية كما كنت أفعل من قبل. وكنت أحاول أن أبحث بشكل موضوعي في الكتب الإسلامية لكي أتأكد من صحة أفكاري. وبعد ما تأكدت من هذه المعلومات فتحت القرآن وقرأته باللغة التركية. وبالرغم من أنني قرأته عدة مرات ولكن كانت هذه المرة مختلفة تماماً وكانت بمثابة خبرة جديدة لي. وقرأت الآيات التالية : “واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلمته ولن تجد من دونه ملتحداً” (الكهف 26). “نزل عليك الكتب الحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدي للناس ..” (آل عمران 2 – 3) ” .. ولا مبدل لكلمة الله ..” (الأنعام 33) ” .. لا مبدل لكلمته ..” (الأنعام 114) “لا تبديل لكلمة الله ..” (يونس 63) “لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه ..” (فصلت 41) “ولن تجد لسنة الله تبديلا” (الفتح 22) “قل فأتوا بكتب من عند الله هو أهدي فهما اتبعه إن كنتم صدقيه” (القصص 48) + (المائدة 43، 45).
هذه الآيات تبين أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد صحيح ويمكن أن نجد فيه الخلاص. كما توضح أن في المسيح يمكننا أن نجد الطريق الحق وقد أتي تأكيداً لكل النبوات المذكورة في الكتاب سابقاً. وأن غرض القرآن هو تأكيد وحماية الكتاب المقدس. (المائدة 67) وقد أمرنا القرآن أن نطيع ونتبع الكتاب المقدس ومن لا يتبعهم يكون خاطئاً. (المائدة 46، النساء 135) وفي هاتين الآيتين يقرر القرآن أن الإنسان يجب أن يتبع ما جاء بالعهدين القديم والجديد بالكتاب المقدس لأنهما حق. كما أمر القرآن كل المؤمنين أن يؤمنوا بالقرآن وبكل ما جاء من قبله أي الكتاب المقدس بعهديه وهذه دعوة واضحة لكل مسلم.
وعندما قرأت ما جاء في (الأنعام 88 – 89) إندهشت للغاية. وبحثت فوراً في كل الآيات التي تتحدث عن تحريف الكتاب المقدس فوجدتها كلها واحد. ففكرت أنه لابد وأن هناك خطأ. إن اعتقاد المسلمين بأن الإنجيل محرف هذه فكرة خاطئة والعكس هو الصحيح وهو أنه لا يمكن أن يحرف. وإذا كان هذا التعليم سائداً في العالم الإسلامي إذاً فالقرآن مخطئ. أنا أعلم أن هذا أمر مستحيل ولكن من أين أتت هذه الفكرة ؟ الله يقول “لا تجد لسنة الله تبديلاً” والناس يقولون “كلا لقد تحرفت”. إنه أمر مستحيل. وبينما كثير من الآيات القرآنية واضحة وقد حفظها الله فإن آيات أخري من نفس الكتاب قد حرفت. وهذا تناقض واضح. آيات تقول أن الكتاب حرف وأخري تنكر ذلك وكل هذا في القرآن. ولا يمكن أن الله يقول شيئاً متناقضاً. فمثلاً (آل عمران 2، المائدة 43، البقرة 74، النساء 45) مثل هذه الآيات تلفت النظر.
ويذكر القرآن حقيقة أن اليهود عبثوا وتلاعبوا بالكتب المقدسة وقد فعلوا هذا حديثاً ضد المسلمين. ولكنني لم أصادف ولو مرة واحدة تعبيراً يقول “إن الكتاب المقدس قد حرف”. إن الآيات التي تناقض نفسها قادت إلي طريق مسدود. أيهما يجب أن أصدق ؟ هل حرف الكتاب أم لم يحرف ؟.
وبعد التفكير في هذه الآيات تبادر إلي ذهني سؤال آخر “هل القرآن أخذ السلطة وحل محل العهدين القديم والجديد ؟” وبدأت أبحث في القرآن عن هذا الموضوع.
(البقرة 40، آل عمران 2، يونس 36، المائدة 47، 67، القصاص 48) وبعدما قرأت هذه الآيات علمت أن القرآن لم يحل محل الكتاب المقدس بعهديه وهو الذي جاء قبله. وبدأت أقرأ العهد الجديد : “لأني أشهد لكل من يسمع أقوال نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد علي هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب وإن كان يحذف من أقوال كتاب النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب” (رؤيا 22 : 18 – 19). وفي ضوء هذه الآيات لماذا قيلت وكتبت باستمرار أشياء مختلفة ؟ ومضي الوقت سريعاً وأنا أقرأ كل هذه الآيات حتي جاء الصباح. وقلت في نفسي أنني بعدما أنام لفترة وجيزة سوف أتحدث مع بعض الناس بخصوص هذه الآيات وذهبت لسريري للنوم. وبعدما تناولت طعام الإفطار أخذت معي القرآن وبعض الكتب الأخري وتركت المنزل. وقررت الذهاب لبعض دور النشر التي تنشر الكتب الإسلامية. وأخذت منها عناوين كتب إسلامية لعلماء مسلمين. وحاولت الإتصال بهم وحصلت علي موعد لألتقي بأحدهم في نفس اليوم وموعد مع آخر في اليوم التالي.
وتحدثت في الموضوع مع العالم الأول وأكد لي كل الآيات التي ذكرتها ولكنه قال إن اليهود والنصاري حرفوا كتابهم. أما العالم الآخر فقد أربكني بأفكاره. وبالرغم من التناقض الموجود في الآيات التي تقول أن الكتاب قد حرف والأخري التي تقول أنه لم يحرف فقد أعطاني الكثير من الأمثلة لعلماء كثيرين في القرآن. ولم أقتنع بكل ما قيل.
فالآيات التي تتحدث عن أن الكتاب المقدس قد حرف قوبلت في ضوء الآيات الأخري التي تقول عكس ذلك : (البقرة 74، آل عمران 77، النساء 45) لم أتمكن من أن أوقف تفكيري في هذا الآيات المتناقضة. وإن لم أجد حلاً لمثل هذه الأفكار فسوف أنفجر. فكيف يقول القرآن أن الكتاب المقدس حرف ولم يحرف في نفس الوقت. (البقرة 105) (النحل 102) وطبقاً لهاتين الآيتين فإن بعض آيات الله يمكن إتباعها حتي الآن بينما قوة وسلطة آيات أخري قد تبدلت أي لا يمكن إتباعها (الرعد 38) ولأن الكتاب الأصلي هو في جانب الله فبإمكانه أن يغيره كما يشاء.
أحياناً يترك الله آية كما هي وأحياناً أخري يمحوها. ولهذا فإن الله هو الذي أوحي بالكتاب وهو الذي يستطيع أن يعلن عن نفسه بطريقة تبطل أو تلغي ماهو مكتوب. ورغم ما ذكر في (ق 28) “ما يبدل القول لدي وما أنا بطالم للعبيد” ولهذا فعكس ذلك حرفياً مذكور في هذه الآية. فأي الآيتين هو حق ؟ وبدأت أتساءل : “هل يمكن تغيير الكلمة المقدسة بتوجيه من الله ؟
إن عقيدتنا الإسلامية معنية لأن تكون دين التسامح لكل العالم. وفي (الكافرون 5) نجد هذا التعبير “لكم دينكم ولي دين” (البقرة 252) “وآتينا عيسي بن مريم البينات وأيدناه بالروح القدس” . وليس هناك إكراه أو إجبار في الإسلام ولكن القول “إن الإسلام دين التسامح” هي مجرد دعاية ولكنها لا تمارس. والآيات المذكورة سابقاً تناقض ما يلي : “واقتلوهم حيث ثقفتموهم ..” (البقرة 190) ” ..واقتلوهم حيث وجدتموهم ..”.
وقد أذهلتني هذه الكلمات. كيف تتحدث عن التسامح بعد ذكر هاتين الآيتين ؟ كيف نقول لمن لا يتبع ديننا “لكم دينكم ولي دين ؟” وكلما واصلت البحث إزداد التناقض في ذهني. وأثناء تأملاتي هذه قرأت كتباً عن إعادة التجسد. وشعرت أنني وصلت إلي طريق مسدود. ورغم ذلك كنت أعلم أنني لن أجد ما أبحث عنه في مثل هذه الكتب. فإعادة التجسد تعني الحصول علي جسد جديد أو المجئ إلي العالم بجسد جديد وكان هذا أمراً مشوقاً لي من قبل ولكن أعتبره الآن أمر غير معقول.
وكما أن الإنسان يولد مرة واحدة هكذا يوم الدينونة. فلأي جسد ولأية خطايا أرتكبت ولأية أعمال صالحة سوف يدان الإنسان لو كانت له أكثر من حياة ؟
وأثناء ذلك الوقت طلبني مكتبي في الجريدة أكثر من مرة ولكنني لم أجيبهم لأن موقفي الروحي أهم من أية أخبار تكتب. ولكن بالرغم من كل الآيات التي ذكرتها فماذا يقول القرآن عن المسيح ؟ هل حقاً مات المسيح ؟ هل صلب ؟ وكنت في شوق لمعرفة ما قاله القرآن عن هذا الأمر. وقرأت في القرآن ما يلي عن موت المسيح علي الصليب : ” إذ قال الله ياعيسي إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ..” (آل عمران 54) “وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً” (مريم 14) “وقولهم إنا قتلنا المسيح …” (النساء 156 – 158) “وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاه والذكاة مادمت حياً” (مريم 30) وبدأت أفكر “إذا كان النبي عيسي، دون أن يموت، أخذ للسماء فلمن أعطي الذكاة ؟ حتي وإن كان هناك فقراء مسلمين هل كان عيسي هو الذي يعطيهم الصدقة ؟ وإن لم يكن كذلك وإذا كان هو مازال موجوداً علي الأرض أين ولمن يعطي الذكاة والصدقة ؟ وإذا قبلت مبدأ أنه لا يعطي الذكاة يجب أن أؤمن أنه غير موجود علي الأرض وأنه حقاً مات.
كدت أن أصاب بالجنون. وكلما إزداد بحثي كلما اكتشفت أموراً جديدة ولم أتمكن من الوصول إلي نتائج محددة من الكتب التي معي. وفكرت أن ألجأ لوالدي في آخر الأمر. وطلبته في التليفون وقبل مقابلتي واستيقظت في الصباح علي تليفون رئيس التحرير الذي طالبني بكتابة المقالة الأخيرة للجريدة. وبعد تناولي طعام الإفطار قررت أن أزور بعض الكنائس لأري البعض من الذين أعرفهم.
ذهبت للكنيسة فوجدت القسيس قد أنهي صلاته الصباحية وجلس للراحة لبعض الوقت. وعندما رآني قال لي : “لابد وأنك في أجازة اليوم. دعنا نتناول الشاي معاً “وذهبنا إلي مطبخ الكنيسة وتحدثنا في أمور مختلفة ثم تحدثت في موضوع مجموعة المتمردين الأرمن الذين تحدثت عنهم الجرائد في الفترة الأخيرة. وشرحت له كيف أن الرأي العام يقول أن هذه الجماعات تمولها الكنائس الموجودة في تركيا. وقلت له أنني أتفق مع هذا الرأي.
وقال القسيس : “إن هذا أمر مستحيل. إنك تري بنفسك مدي الصعوبة التي نواجهها في تغطية نفقات الكنيسة. وبالإضافة إلي هذا فليس من مبادئنا مساندة الإرهابيين. ومن الخطأ تماماً أن يعتقد البعض أن لنا علاقة مع هذه الجماعات الإرهابية. ومن الناحية التاريخية ففي كل دين، بما فيها المسيحية، كان هناك أناس لهم أهداف سرية لاستخدام الدين لأهدافهم الذاتية. وقد يوجد مثل هؤلاء الناس حتي الآن. ولكن المسيحي الحقيقي أو الكنيسة لا يمكن أن تشارك في مثل هذه الأعمال الإرهابية المدمرة. وحتي عند موت المسيح لم يقل شيئاً سيئاً في أحد. بل علي العكس فقد قال ” من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً” كيف يمكن لنا نحن الذين نتبعه نؤيد مثل هذه الأعمال المؤذية للإنسانية ؟ كل ما قيل عنا هو أكاذيب ؟
وعندما كان القسيس يتحدث كنت أود تصديقه. ولكن الأمور التي سمعتها كانت تختلف تماماً. وبعد ما أنهي حديثه غادرت الكنيسة. وكان علي أن أكتب المقالة الأخيرة للجريدة لأنهي هذا الموضوع. جلست إلي مكتبي وبدأت كتابة كل الأمور التي رأيتها وناقشتها. ولكن أسلوبي إتخذ طريقة المسلم الأصولي الذي يؤمن بأن هؤلاء الناس يجب أن يعاقبوا لأنهم انحرفوا عن الطريق الصحيح. وبينما أحاول إقناع نفسي بهذا الفكر استمريت في الكتابة ولكن في قلبي كنت أشعر بأنني ظالم فيما أكتب. فلم أجد في تصرفاتهم أي شئ خاطئ. بل علي العكس وجدت أن القرآن الذي أؤمن به لم يستطع أن يدينهم. فمرة يقول أن كتابهم حرف ومرة أخري أنه لم يحرف. وأنهم ضلوا الطريق ولم يضلوا الطريق. وأتعبتني أفكاري فذهبت للنوم.
وعندما استيقظت كنت أشعر بنوع من الخوف. ففكرت : ماذا فعلت ؟ وماذا سأفعل ؟ وبدأت أفكر في الأشياء الخاطئة التي فعلتها في الأيام الماضية. وأخيراً توجهت إلي منزل والدي. كان لديه تعليم إسلامي جيد ولكن بعد مناقشته في موضوعي واجه أزمة في إيمانه. والدي الذي قرأ القرآن عدة مرات ولم يتركه فرض في الصلاة أصبح ملحداً بعد هذا البحث وقال لي أنه لم يتمكن من أن يجد إجابة منطقية لأسئلتيز (جال بخاطري هذا الفكر وأنا في الطريق إلي منزل والدي).
أخذت كل مذكراتي معي. وعندما وصلت المنزل عاتبني والدي لأنني لم أتصل تليفونياً منذ مدة طويلة وسألوني ماذا بك حتي أنك اتصلت في منتصف الليل. قلت أنني أود الحديث مع والدي علي انفراد. وذهبنا معاً إلي غرفة أخري وقال لي : “والآن ماذا تريد مني ؟” وسألته هل مات المسيح علي الصليب ؟ وما هو الثالوث ؟ فقال والدي : “الديانة الحقيقية تقول “لا تجادل وإلا سوف تشك في إيمانك” وأثناء بحثك في مثل هذه الموضوعات سوف تتناقش مع آخرين. ولا أريدك أن تضيع وقتك في مثل هذه الأمور لأنك سوف تنتهي إلي ما انتهيت إليه أنا”. ورجوته أن يساعدني فقال : “إن الآيات القرآنية التي تتحدث عن العهد القديم والعهد الجديد حقيقية. وعندما نتأمل هذه الآيات نري أن كلا العهدين لم يحرفا وأن القرآن لم يحل محلهما. ولكن هناك آيات قرآنية أخري تؤيد فكرة تحريفهما. ويقال أن بعض القادة اليهود غيروا أجزاء في العهدين. ولكن بعض العلماء المسلمين لهم فكر مختلف عن ذلك.
“أما عن التثليث فيقول القرآن أن المؤمن الحقيقي لا يشرك بالله أحداً أي لا يجعل أحداً مساوياً لله”. (العنكبوت 45)، (آل عمران 112 – 113) مثل هذه الآيات تثبت أن النصاري يؤمنون بإله واحد. إنهم يقرأون الكتاب الذي بين أيديهم ويعبدون الله بكل احترام”. “ولا أستطيع أن أجد آية في القرآن توضح لك الثلاثة أقانيم كما يؤمن بها النصاري. ولكن توجد آية من آيات عديدة في هذا الموضوع : (النساء 170) “إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته وألقاها إلي مريم وروح منه ..” في هذه الآية يمكننا أن نري جوهر الله والله الكلمة والله الروح القدس. دعني أشرح لك ذلك. فيما يختص بعلاقة المسيح بكلمة الله : بالنسبة للروح القدس : (البقرة 252) “وآتينا عيسي ابن مريم البينات وأيدته بروح القدس ..”.
والآن أنت تود أن تسألني عن موت المسيح علي الصليب. دعني أقول لك أنك لا يجب أن تتعمق في هذا النقاش وإلا فإنك سوف تنتهي مثلي وتتحول إلي الإلحاد. ولكنني سأشرح لك. “حتي وإن قال القرآن إن المسيح لم يمت علي الصليب ولكن أصعد إلي السماء فعليك أن تفكر في الآية الآتية : “.. وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً. وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً”. + (آل عمران 54).
وفي الحقيقة فإن لعلماء المسلمين أفكار مختلفة فيما يختص بصعود المسيح للسماء. فكلمة “توفايتاني” تترجم عادة “الذي قتله” ترجمت “إقامة” وهذا ما قاله العالم الإسلامي الرازي. وقال إن هذه الكلمة قد تعني أيضاً “يقيم”. وإذا كان الرازي والعلماء الأخرين علي صواب فإن النبي عيسي لن يموت عند رحيله عن الأرض”. (الرحمن 25) “كل من عليها فإن ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام”، (المائدة 116).
اختلف العلماء في هذا الأمر وانقسموا لمجموعتين. الأولي تدافع عن وجهة نظرها بالقول إن الله سوف يجعل عيسي يجتاز هذا الحدث ولن يسمحوا لأحد بأن يقتله. وذلك بأن يرفعه إلي جانبه في السماء في حضوره مع الملائكة وسيحمي عيسي بمنعهم من قتله. أما المجموعة الأخري فتقول إن العبارة : “أنا الذي سأجعلك تذهب بعيداً” وتعني “أنا الذي سأقتلك” ويقول إنه طبقاً لما قاله ابن عباس وابن اسحق فإن اليهود، وهم أعداء المسيح لم يستطيعوا قتل المسيا. إن الله كرمه ورفعه إلي السماء. وهؤلاء العلماء اختلفوا فيما بينهم وانقسموا إلي ثلاث وجهات نظر وهي كما يلي :
1 – محمد ابن اسحق : في الساعة السابعة مات النبي عيسي. وفيما بعد أقامه الله ورفعه إلي السماء.
2 – مات عيسي في الساعة الثالثة وفيما بعد رفع للسماء.
3 – ربيع ابن أنس : قتله الله ثم رفعه إلي السماء.
وهذا هو كل ما لدي ياإبني.
وكانت كل هذه الأمور التي شرحها لي والدي كافية ورغم هذا لم أقتنع بها شخصياً. ورجعت إلي منزلي ودخلت إلي غرفة مكتبي وبدأت أصلي : “يا الله أن أؤمن بوجودك بوحدانيتك. أرجوك أن تشرح لي الموقف المحير الذي أنا فيه طوال الأسابيع الأخيرة. فعندما يشرح الناس لي أمراً ما يشرحونه من وجهة نظرهم. ولكنك تستطيع أن تشرح لي الحق عن كل شئ بل ويمكن أن تشرح لي ذاتك. أرجوك أظهر لي الحق كله”.
وبعدما انتهيت من صلاتي شعرب بالحاجة للإطلاع علي بعض الكتب. وكنت قد أنهيت بحثي في هذه الموضوعات في القرآن وتساءلت ماذا يقول العهد القديم والجديد عنها ؟ وكانت لدي الكثير من الأسئلة. وقمت بزيارة الكثير من الكنائس في استطنبول وحضرت الدراسات الكتابية وتحدثت لكثيرين من المسيحيين والخدام وأمضيت الساعات في دراسة الكتاب المقدس وبعض الكتب الأخري عن المسيحية. وحان الوقت الآن لأفكر في كل هذه المعلومات التي جمعتها علي مدي شهور.
وفي العهدين القديم والجديد وجدت ما يلي :
“لا أنقض عهدي ولا أغير ما خرج من شفتي” (مزمور 89 : 34)
“السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول” (متي 24 : 35)
“إن قال الهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله. ولا يمكن أن ينقض المكتوب” (يوحنا 10 : 35)
“لأني أشهد لكل من يسمع نبوة هذا الكتاب إن كان أحد يزيد علي هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب. وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياه ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب” (رؤيا 22 : 18 – 19).
وفيما يلي بعض الآيات من العهد القديم عن الله الآب :
“والآن يارب أنت أبونا. نحن الطين وأنت جابلنا وكلنا عمل يديك”. (أشعياء 64 : 8)
“كل شئ قد دفع إلي من أبي وليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له”. (متي 11 : 27).
“والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقاً”. (يوحنا 1 : 4)
“فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متي 28 : 19)
“لأنه وإن وجد ما يسمي آلهة سواء كان في السماء أو علي الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون” (1 كورنثوس 8 : 5)
إن يسوع المصلوب كان الموضوع الرئيسي لكلا العهدين القديم والجديد : “لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3 : 16)
وتذكرت أن اليوم التالي هو يوم السبيت موعد الاجتماع بالكنيسة. وكنت أشعر بحاجتي إلي النوم لأنني لم أنام لمدة يومين. ورغم هذا قررت حل المشكلة هذه الليلة. وبدأت أفهم الخلاف والمعركة بين القرآن والعهدين القديم والجديد. وكنت أشعر بحاجتي لاتخاذ قرار محدد ونهائي ولكني كنت أشعر بعدم كفاية ما توصلت إليه. وكان أهم شئ بالنسبة لي لكي أفهمه بوضوح هو أي النبيين يمنح الخلاص. وبدأت أفكر في محمد والمسيح. فكل منهما يقدم طريقاً خاصاً. ولكن أي الطريقين يؤدي إلي الحق ؟ ومرة أخري بدأت أقرأ القرآن : “وإن منكم إلا واردها كان علي ربك حتما مقضيا” (مريم 70) “واستغفر لذنبك” (غافر 54). وهذه الآية الأخيرة صدمتني لأنني كنت أعتقد أن محمداً بلا خطية. وأستطيع أن أفهم من الآية أنني لست الوحيد الخاطئ ولكن حتي محمد يحتاج إلي الغفران. ومهما فعلت لا يمكنني أن أتجنب الذهاب إلي الجحيم.
وقال العهد الجديد عن يسوع ما يلي :
“من منكم يبكتني علي خطية. فإن كنت أقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي” (يوحنا 8 : 46)
“لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” (2 كورنثوس 5 : 21)
“الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه غش” (1 بطرس 2 : 22)
“وتعلمون أن ذاك أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية” (1 يوحنا 3 : 5)
وتبين هذه الآيات أن يسوع كان بلا خطية. ولكن ماذا تقول لي أنا ؟
“من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأ الجميع” (رومية 5 : 12)
“إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله” (رومية 3 : 23)
وفي النهاية ظهرت الحقيقة وهي أنني خاطئ. لقد خلق الله أول إنسان ووضعه في جنته. وكان عليه أن يعبد الله فقط. ولكنه عصي أمر الله وأكل من الشجرة الممنوعة. ونقض الله العهد مع آدم بسبب عصيانه وتمرده وهكذا وضعت بذرة التمرد والعصيان. وفي أول اختبار له سقط في الخطية. وبسبب سقوط آدم وحواء في الخطية طردهم الله من الجنة إلي العالم. وتكاثر الإنسان وازدادت الخطية. ولكن الله أعطي وعداً بالخلاص من الخطية. وأجرة الخطية موت. “لأن أجرة الخطية موت أما هبة الله فهي حياة أبدية في المسيح يسوع ربنا” (رومية 6 : 23)
إن المسيح يسوع هو الطريق الوحيد للخلاص الذي أعده الله للبشرية. لقد قدم إبرهيم ابنه لله لمحبته لله ولكلمته. ولكي يخلص الله كل البشرية من حمل الخطية بذل ابنه الوحيد لخلاصنا. “وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم”. (يوحنا 1 : 29)
“لأن الله أظهر محبته لنا إذ ونحن بعد خطاة مات المسيح من أجلنا” (رومية 5 : 8)
“فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دفن وقام في اليوم الثالث حسب الكتب وظهر لصفا ثم للإثني عشر” (1 كورنثوس 15 : 3 – 5)
“أنا هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 14 : 6)
“لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”. (يوحنا 3 : 16)
وبعد ما قرأت كل هذه الآيات تأكدت أن خلاصي هو في المسيح يسوع وكل ما أحتاجه هو أن أقبله بالإيمان. “بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وهذا ليس منكم بل هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد” (أفسس 2 : 8 – 9).
لذلك كنت أحتاج لأن أدعو الله وأؤمن به لأنه قال : “ها أنا واقف علي الباب وأقرع إن فتح أحد الباب أدخل إليه وأتعشي معه وهو معي” (رؤيا 3 : 2)
ركعت علي الأرض وبدأت أصلي : “يا إلهي سامحني أنا العبد الخاطئ إنني أقبلك كربي ومخلصي”. وعندما أنهيت صلاتي شعرت بالإرتياح. كما لو كان حمل ثقيل انزاح من علي كاهلي. لقد وجدت الله الحقيقي وامتلئ قلبي بالفرح.
ومن تلك اللحظة اتخذت قراري وآمنت بالمسيح. كنت أعلم أن بعض الناس سيقولون أنني ضللت الطريق. وشعرت بحاجتي إلي النوم لكي أذهب إلي الاجتماع في اليوم التالي. ولم أستطيع النوم من شدة الفرح داخلي. وبدلاً من المعاناة والتعب الذي اجتزت فيه طوال الشهور الماضية حل السلام والراحة. وفجأة نمت نوماً عميقاً. ثم استيقظت وأخذت حماماً وارتديت أجمل بدلة وذهبت إلي الاجتماع. وكانت هذه أول مرة أرتدي بدلة ورباط عنق ولذلك اندهش كل من رآني وقالوا “ما الذي حدث ؟ هل حضرت من مكان رسمي كنت فيه ؟ لم أجيب بشئ ولكنهم شعروا بالتغيير الذي حدث لي. وبدأ الاجتماع وبعدما انتهي القسيس من العظة رفعت يدي وقلت أود أن أتحدث قليلاً. فطلب مني أن أحضر للمنبر. ولم تكن هذه هي المرة الأولي لصعودي علي المنبر لأنني قبل ذلك شاركت مرات عديدة في دراسة الكتاب. ونظرت إلي الحاضرين لثوان وكانوا يتوقعون مشاركتي في الدراسة. ولم يكن لديهم أية فكرة عما سأقوله.
شعرت بالخجل في بادئ الأمر. لقد ظلمت هؤلاء الناس. كنت أود أن أشرح لهم كل شئ لأنهم عانوا كثيراً بسببي أنا. وبدأت أتحدث : “أريد أن أقول لكم الحق. أنا لست بائعاً كما قلت لكم ولا أنتمي إلي عائلة أرمنية مسيحية. أنا صحفي. وحضرت بينكم لكي أتحري عن جماعة إرهابية أرمنية تدعي “أصالة”. وأثناء ذلك الوقت عانيتم من الحزن والضيق بسبب ما كتبته عنكم. ولعدة شهور تأثرت كثيراً بمشاعركم وسلوككم نحوي ونحو الآخرين أيضا. وأدركت أن كل ما تعلمته عن المسيحيين من المجتمع الذي نشأت فيه في طفولتي كان خاطئاً تماماً. ولمدة طويلة أجريت دراسة مقارنة بين القرآن والكتاب المقدس. واكتشفت مدي خطأ وظلم أفكاري عنكم. وأثناء بحثي وتحرياتي وجدت مخلصي الحقيقي. واتخذت يسوع كمخلصي وربي وأنا سعيد للغاية بذلك. وأطلب منكم الصفح والغفران لسوء معاملتي لكم. ولكن لو لم يحدث كل هذا ما كان باستطاعتي أن أجد مخلصي”.
وبعدما أنهيت كلامي ركعت خلف المنبر لأنني توقعت أن يهاجمونني ويضربونني. وعندما رأيت البعض منهم يتوجه نحو المنبر ارتعبت. ولكنهم رفعوني وبدأوا يأخذوني بالأحضان ويقبلونني وقالوا لي : “أنت الآن أخونا ولا يمكن أن نغضب منك. شكراً لله أن الرب أظهر ذاته لك. مرحباً بك بيننا. لقد كنت مفقوداً ولكنك الآن وجدت” وحضر كل واحد بالاجتماع ليهنئني. وبعد قبولي للرب يسوع تغيرت حياتي تماماً. لقد ظهر تغير غير عادي في قلبي. لقد تغيرت الأسس التي كنت أبني عليها سلوكي وأفكاري وكلامي. حتي أسرتي وأصدقائي لاحظوا تغييراً في حياتي كل يوم. واعتقدت بعد إيماني بالمسيح أن كل شئ سيسير علي ما يرام. ولكنني مازلت أعيش في العالم. لقد هزم يسوع الشيطان في حياته وموته وقيامته من الأموات. ورغم هذا فالشيطان يواصل هجومه ضدي ليوقعني في الخطية. وعندما أشرح لمن حولي كيف آمنت بالرب يسوع أشعر بالوحدة لأنهم لا يوافقون علي ما أقول. حاولت أن أشرح لهم ما حدث لي ولكن بلا فائدة. ولقد تحدث المسيح عن هذا الأمر في الإنجيل : ” .. كل من لا يحمل صليبه ويتبعني لا يستحقني” (متي 10 : 38).