فكنيسة المسيح على تنوع فروعها ومسمياتها ، ومع امتداد التاريخ كله كان لها الصليب وما زال رمزَ فخرٍ واعتزاز وإجلال …
قبل صلب المسيح كان الصليب أداةً موحشة منفرة .. ولكن عجباً كيف حوَّلَ المسيحُ أداة القتل والتعذيب إلى رمز حبٍ وعطاءٍ وفداء !.. فبعد صلبه اعتلى الصليب بفخر قباب الكنائس ومناراتها .. وأخذ الملوك يزينون تيجانهم بعلامة الصليب باعتزاز ، وفي العديد من دول العالم اليوم يتصدر الصليب أبواب صيدلياتهم ينادي المريض عن بعد أن تعال / لدينا الدواء لمشكلتك !… وهناك مجموعة لا بأس بها من أعلام الدول التي تعتز بحضارتها ورقيها ويوشحها الصليب ..
ثم مع بدايات القرن العشرين برز الصليب الأحمر كمؤسسة إنسانية عالمية لا تحدها حدود .. استمدت رسالتها الإنسانية من رسالة المسيح فرفعت شعار الصليب بلون دم المسيح كشعارٍ للرحمة بجرحى الحروب / والأسرى / والسجناء السياسيين / والمضطهدين والمعذبين في الأرض .
ومن هذا المبدأ انبثقت جمعيات أخرى تحمل شعارات متنوعة ولها نفس الرسالة ، وهذا يعني أن نظرة العالم كله أخذت تدرك معنى رسالة الصليب وما يوحيه الصليب من خدمةٍ ورحمةٍ انسانية للبشرية المعذبة . فلولا صليب المسيح ما كان لهذه المعاني من وجود .
ونحن عندما نُنوّه بكل هذه الحيثيات لا نقولها تعصباً ولا تحدياً لأحد ، بل نُذَكّر بأن الصليب وُجِدَ لخير البشرية ولمنفعةِ كلِّ قارئ من أي عقيدةٍ كان ، فالصليب يحمل رحمةً لكَ .. ولكِ ..
وهو مفتاحك للأبدية ومرساة نجاتك من عذاب الأبدية . لذلك سجل بولس الرسول افتخاره بالصليب حين قال : حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح ، الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم .
يقصد أنه بصليب المسيح قد صُلب العالم بشهواته وإغراآته فلا استجابة لها عندي ، وأنا أيضاً بصليب المسيح قد صُلبتُ عن شهوات الدنيا ودناياها ، فعندما تناديني مغريات هذا الزمان لا حياة لمن تنادي. فالمسيح بصليبه فك أسري وحررني من كل مغريات الدنيا . ولذلك أفتخر بصليبه .. هذا ما عناه بولس رسول المسيح .
ولمعلومات القراء الكرام … فبولس الرسول كان قبلاً عدواً للمسيح ولأتباع المسيح إلى أن تراءى له المسيح على طريق الشام برؤيا معجزية غيّرت حياته وغيَّرت نظرته للمسيح فلم يعاند الرؤيا وما حملته له من نورٍ وحق ، فآمن وأصبح في طليعة رسل المسيح .
لم تأت عقيدة الصلب من فراغ ، ولا جاءت من خيال الناس لتنهي قصة حياة شخصٍ اسمه المسيح ولد وعاش ومات ، حسب المقولة : تعددت الأسباب والموت واحد ، فاخترعوا له سبباً للوفاة فقالوا صلب … ولنفترض جدلاً أن الصلب لم يحدث أبداً للمسيح ، ألا ترى حينها قارئ العزيز أننا مع هكذا فرضية نقف أمام فراغٍ مبهم في تاريخ حياة المسيح لا تفسير له ؟.. فكيف انتهت إذاً حياتُه ؟.. ولماذا يَغْفَلُ الوحيُ من ذكر ذلك بتفاصيله الدقيقة ؟.. ألم يحدثنا الوحي عن تفاصيل ميلاده بكل دقةٍ ووضوح ؟.. جاء في سفر الأمثال : نهاية أمرٍ خير من بدايته .
وهل يعقل أن تبقى هناك فترةٌ مبهمة في تاريخ حياة المسيح . فكيف كانت نهايةِ هذا العظيم الذي لم يعرف العالمُ على مدى التاريخ أعظمَ منه أو من يماثلُهُ في الجلال؟.. أيُعْقَلُ أن نعرف عن أفلاطون وهانيبال وامرؤ القيس وجبران خليل جبران كيف ماتوا وكيف انتهت حياتهم ، ثم عندما نأتي إلى سيرة حياة سيدٍ فاق مجداً كالمسيح لا نعرف شيئاً عن تفاصيل نهاية حياته؟.. أو أن تتضارب الروايات حول وكيف انتهت حياته ؟.. وهو العظيم الذي عاش أعظم من عظيم فأبهر الدنيا بمعجزاته وبتعاليمه وأقواله ومبادئه وسلوكياته!… أيُعقل هذا؟!!!.
أما الحق .. فالرواية الوحيدة الواضحة التي بقيت لوحدها في الميدان على مرِّ الزمن بلا منافسٍ ولا جدال وهي مبنية على علمٍ صحيح بخصوص نهاية حياة المسيح على الأرض هي رواية الصليب كما دونها الوحي في انجيل الحق ..وفوق هذا وذاك للرواية شهود كثيرون ، منهم قديسون مؤمنون هم أتباع للمسيح الذين شاهدوا الحدث وهم بكامل وعيهم ، وحاشا لله أن يضلهم أو يخادعهم في ما رأوه . فهؤلاء ممن قيل عنهم ” وآمنت فئة ” ولم يكونوا من الكافرين . وهناك شهود آخرون من أعداء المسيح الذين نادوا بصلبه فحرصوا على أن يشاهدوا تنفيذ المهمة بكل دقة … ومعهم أيضاً كان الجنود الرومان الذي نفذوا عملية الصلب. وكان غيرهم جموعٌ أخرى حملتهم الأقدار أن يمروا في الطريق المحاذي لساحة الصلب ، وهناك غيرهم ممن تَتَبَّعوا الأخبارِ فجاؤا يدفعهم حب الاستطلاع وشاهدوا ما جرى … فأي حاكم أو قاضٍ عادل يُسْقط شهادة كلِّ هؤلاء الشهود ويأمر بملف القضية للحفظ بسبب عدم توفر الأدلة !.. والأدلة كثيرة .