يعلم كل عاقل أن الخير العام، وشروط العمران، وأصول التمدّن، ومبادئ الدين الصحيحة، تقضي جميعاً بالانتباه إلى ما يجمع بين النحل المختلفة مع ما يجوز من التساهل في ما يفصل بينها.
فتوحيد الله هو أعظم وأفضل جامع بين الفرق الثلاث التي أُطلق عليها اسم «أهل الكتاب». لأن اليهودي والمسيحي يجاهران به كالمسلم. ولا يرضيان بتاتاً أن يعد المسلم أشد تمسكاً منهما بهذه الحقيقة الجوهرية الأساسية التي لا بد من أن تتغلب مع مرور الزمن على كل الآراء الفاسدة القائلة بالشرك بالله.
والمسيحي المخلص مع أنه لا يشارك المسلم في الفقرة الثانية من عبارة الشهادة التي هي (أنَّ محمداً رسول الله) يضاعف (لهذا السبب عينه) اجتهاده بأن يشترك في الفقرة الأولى من تلك العبارة فيجاهر بكل قواه بأن «لا إله إلا الله» ويفتخر بأن يحبذ كل حركة إصلاحية حقيقية يقصد بها قطع دابر الشرك بالله نظير الحركة التي حدثت في زمن نشوء العقيدة الإسلامية.
أما الجامع الثاني العظيم بين فرق أهل الكتاب فإنه لم يستوف إلى الآن حقوقه من الأهمية والانتباه. وهو شخص يسوع المسيح عيسى ابن مريم وقدوته وتعاليمه. فلذلك قصدنا البحث بإخلاص تام وصراحة جلية في أمر هذا الجامع الجليل مع المسلم الأمين الغيور في مذهبه.
ومن المقرر أنه لا يجلو الحقائق غير التمحيص، كما أن وقوف المتباحثين عليها بعد تمحيصها يولد فيهم اتفاقاً جميلاً هو الضالة المنشودة في هذا العصر.
ويا ليت نتيجة هذا البحث تكون تخفيف النفور الذي يشعر به المسلم المتدين تجاه بعض القضايا المسيحية لا بل أن يزول تماماً من قلبه بواسطة إيضاح تلك القضايا. ونخصص منها ما يتعلق بشخص يسوع المسيح الذي قال يوما لمحاوريه من رؤساء اليهود.