في بداية ظهور الشيوعية ظهر في إيطاليا زعيم شيوعي ملحد اسمه «تولياتي»… كان يجهر بإلحاده ويفتخر بإنكاره لوجود الله.
ذات يوم قرر «تولياتي» وجماعة من أصدقائه، أن يصعدوا إلى قمة جبل… واصل «تولياتي» الصعود حتى تعب وتصبب عرقه… وعندئذ جلس على صخرة في المكان الذي وصل إليه وهتف قائلاً: «يا الله ساعدني».
سمعه صديق يعرفه… ويعرف إنكاره لوجود لله… فسأله متعجباً: هل تؤمن بوجود الله يا «تولياتي»؟
وهنا نظر الزعيم الشيوعي إلى صديقه بابتسامة باهتة وقال: «أيها الأحمق… حين يصل الإنسان إلى لحظة يدرك فيها ضعفه وعجزه.. يحتاج إلى إله قوي يسنده».
الحاجة إلى الله أمر لا يمكن إنكاره.. كما قال أوغسطينوس: «يا الله أنت خلقتنا لذاتك ولا يمكن أن تستريح نفوسنا إلا فيك»…
وهذا كتاب عن «الله» تبارك اسمه، وجل جلاله وتعالت قدرته، وتسامت حكمته، وعظمت محبته.
والحديث عن الله ينبغي أن يكون بكل هيبة، وخشوع، وحرص… ذلك لأنه ليس في قدرة الإنسان أن يضع الله جل وعلا في مخبار مدرج ليعرف كميته.. أو أن يضعه في بوتقة اختبار ليعرف نوعيته، لأن الله تعالت قدرته لا يخضع للكم والكيف…
فهو «غير المحدود» الذي لا يمكن أن يحتويه عقل الإنسان «المحدود»…
وهو «القادر» الذي لا يستطيع الإنسان الضعيف إدراك عظمة قدرته…
وهو «الحكيم» الذي فاقت حكمته في عمقها وعلوها كل حكمة الإنسان.
وهو «المحب» الذي فاق حبه كل حب وغمر بحبه كل سكان الأرض.
لهذا كله يظهر عجز العقل الإنساني عن إدراك حقيقة الله.. ومن هنا يتحتم على الإنسان أن يقر بعجزه، وأن يطلب من الله بتواضع تام أن يأخذ بيده ويهديه إلى معرفته.
أدرك «موسى» النبي عجزه عن معرفة الله المعرفة الحقيقية… مع أنه سمع صوته تبارك اسمه… ولبى دعوته.. لذلك رفع إليه صلاته:
- «ٱلآنَ إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَعَلِّمْنِي طَرِيقَكَ حَتَّى أَعْرِفَكَ» (خروج ٣٣: ١٣).
فبدون هداية الله يظل الإنسان في تخبطه… ويصنع لنفسه آلهة بحسب تصوره.. ويضل ضلالاً بعيداً.
لهذا قال الله تبارك اسمه:
- «لاَ يَفْتَخِرَنَّ ٱلْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ ٱلْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ ٱلْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهٰذَا لِيَفْتَخِرَنَّ ٱلْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ ٱلصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي ٱلأَرْضِ، لأَنِّي بِهٰذِهِ أُسَرُّ يَقُولُ ٱلرَّبّ» (إرميا ٩: ٢٣ و٢٤).
إن الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم، هو محاولة أمينة للتعريف بالله تبارك اسمه، كما أعلن ذاته في كلمته. وهو ثمرة دراسة طويلة متصلة للكتاب المقدس والقرآن استغرقت الأيام والليالي والشهور والسنين.
وصلاتي التي أرفعها إلى الله تبارك وتعالى من قلبي.. أن يستخدم الله بنعمته هذا الكتاب لإنارة الكثيرين لمعرفته. فقد قال سليمان الملك الحكيم بالوحي الإلهي: «بَدْءُ ٱلْحِكْمَةِ مَخَافَةُ ٱلرَّبِّ، وَمَعْرِفَةُ ٱلْقُدُّوسِ فَهْمٌ» (أمثال ٩: ١٠).
سبرنجفيلد فيرجنينا ٤ يونيو ١٩٩١
القس الدكتور لبيب ميخائيل