يسرّني جدّاً أن أجد عندك هذا الميل إلى البحث في حقائق الإنجيل، وحسناً تفعل في هذا الاتّجاه، وفقاً لقول رسول الجهاد العظيم بولس «لاَ تُطْفِئُوا ٱلرُّوحَ. لاَ تَحْتَقِرُوا ٱلنُّبُوَّاتِ. ٱمْتَحِنُوا كُلَّ شَيْءٍ. تَمَسَّكُوا بِٱلْحَسَنِ» (١ تسالونيكي ٥: ١٩ – ٢١).
يبدو من مقدّمة رسالتك أنّك أردت الدخول في نقاش حول بعض المعتقدات المسيحيّة، فحملك الحماس على تحويل المناقشة إلى مجادلة أهل الكتاب «بِغَيْرِ ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (العنكبوت ٢٩: ٤٦). لَكَأَنّك نسيت تحذير القرآن القائل «وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ» (المائدة ٥: ٤٣) فأنت في محاولة الاعتراض على أكثر العقائد المسيحيّة، استعملتَ بعضَ الشواهد من القرآن وليس من الكتاب المقدَّس، الذي عيّنه القرآن حَكَماً في الخلاف بين المسيحيّ والمسلم، بدليل أنّه أحال محمّداً نفسه، في حال الشكّ في صحّة عقيدةٍ ما إلى أهل الكتاب. إذ يقول: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَٱسْأَلِ ٱلَّذِينَ يَقْرَأُونَ ٱلْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ» (يونس ١٠: ٩٤). وهذه الوصيّة تفرض على كلّ مسلم أن يحتكم في خلافاته العقائديّة مع أهل الكتاب إلى كتابهم، وذلك وفقاً لنصٍّ آخر يقول: «إِنَّا أَنْزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ… وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ» (المائدة ٥: ٤٤). فالمسيحيّ إذاً غير ملزم بنصوص القرآن على الإطلاق. وعلى العكس، فإنّ القرآن يدعوه للتمسّك بكتابه، إذ يقول «قُلْ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ » (المائدة ٥: ٦٨). «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ» (المائدة ٥: ٤٧).