المسيح هو طوق النجاة الوحيد فى بحر الحياة المضطرب
كفاية الصليب

كفاية الصليب

في الكتاب المقدس عدة آيات عن صليب المسيح لا بدّ من ذكرها قبل كتابة هذه الرسالة، وهذه هي الآيات:

 “فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله” (1كورنثوس 18:1).

 “لأني لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوباً” (1كورنثوس 2:2).

 “وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم” (غلاطية 14:6).

 

الذين ينكرون حقيقة صلب المسيح قائلين: “ما صلبوه وما قتلوه” يجهلون حقيقة قداسة الله، كما يجهلون أن الله تبارك اسمه لا يمكن أن يتصرف ضد صفاته، ومن صفاته العدل.. فهو لا يمكن أن يغفر بغير حساب!! ويجهلون مع هذا كله أن تدبير الله لخلاص الإنسان، لم يبدأ في الزمان، بل تقرر قبل أن يخلق الله الإنسان.

وهذا ما أعلنه بطرس الرسول بالكلمات:

“عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلّدتموها من الآباء. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم” (1بطرس 18:1-20).

والآن، لنذهب إلى الجلجثة حيث صُلب المسيح، ولنفكّر بعمق وإخلاص في هذا العمل العظيم الذي أكمله المسيح بموته على الصليب. وسنتأكد بعد ذلك من كفاية الصليب.

1-   في الصليب الكفاية لإعلان فظاعة خطية الإنسان

أراد بولس أن يصف شناعة وفظاعة الخطية، فوصفها باسمها قائلاً: “الخطية خاطئة جداً” (رومية 12:7). وموت المسيح على الصليب أظهر بصورة لا تقبل الجدل، أن الخطية خاطئة جداً.. وأن الطريق الوحيد للخلاص من عقاب الخطية، وسلطانها، وقذارتها هو دم المسيح المسفوك على الصليب. ولو أن أي عمل صالح يقوم به الإنسان، يقدر أن يهب للإنسان الغفران، والحياة الأبدية “فالمسيح إذاً مات بلا سبب” (غلاطية 21:2). لكن أحد أسباب موت المسيح على الصليب هو إظهار فظاعة خطايانا.

إذا سأل الناظر إلى المسيح المصلوب: لماذا مات المسيح؟ لكان الجواب الصحيح:

إنه مات ليكفر عن زنا الزناة، وسرقة السارقين، وكراهية الحاقدين، وشرور الحاسدين.. وقذارة الشاذين.. وقتل القاتلين..

وإذا رجع إليه واحد من هؤلاء بتوبة صادقة، وآمن بأن في موته على الصليب الكفاية لغفران خطاياه.. فإنه ينال الغفران والحياة الأبدية..

إن الله القدوس، العادل، لا يمكنه أن يغفر الخطية بغير عقاب، وأقول مكرراً لا يمكنه، لأن الله حتم على نفسه أن يتعامل طبقاً لصفاته.. وحتم على نفسه أن لا يتعامل بحال ما ضد صفاته.. ومن هنا فهو لا يغفر الخطية بغير حساب، لكنه دبر الطريق لإظهار شناعة الخطية ونوال الغفران والحياة الأبدية بموت المسيح على الصليب. فأجرة الخطية موت، والمسيح دفع هذه الأجرة على الصليب، وكل من ينكر حقيقة صلب المسيح، ويرفض الإيمان بما عمله على الصليب فهو “هالك” لا محالة مهما عمل من صلاح، وجاهل لحقيقة تدبير الله لخلاص الإنسان.. “فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة”.

2-  في الصليب الكفاية لإظهار عمق محبة الله

السؤال الذي طالما تردّد على شفاه الكثيرين: “لماذا سمح الله بسقوط الإنسان؟” والجواب: إن الإنسان يقدر أن يعرف مجد الله في الخليقة، “السموات تحدِّث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه” (مزمور 1:19).. ويقدر أن يعرف حكمة الله في التصميم البديع الذي خلق به الكائنات.. ويقدر أن يعرف غضب الله على الخطاة والخطية في كوارث الحياة.. مثل كارثة الطوفان.. وحرق سدوم وعمورة، لكنه لا يستطيع أن يعرف عمق محبة الله إلا في صليب المسيح.. وبغير صليب المسيح لا يقدر أحد أن يقول ان الله محبة… ومن هنا فإن صفة المحبة التي اختصّ بها الله ذاته لا توجد في أي دين آخر غير المسيحية، لأنه بموت المسيح أظهر الله حبه العميق للإنسان.

وصف بولس الرسول بالروح القدس حقيقة البشر فقال إنهم “ضعفاء” (رومية 6:5) بمعنى أنه ليس في قدرتهم طاعة وصايا الله أو الوصول إلى مقياس قداسته، وأنهم “فجار” (رومية 6:5) بمعنى أنهم ينكرون وجود الله ويتكلمون كلمات صعبة ضده، وأنهم “خطاة بمعنى أنهم يتعدون وصايا الله لأن “الخطية هي التعدي” (1يوحنا 4:3)، وأنهم “أعداء” بمعنى أنهم يبغضون الله، ويعلنون بجرأة ووقاحة عداوتهم له. ومع كل هذه الصفات في الناس. فقد أعلن الله بموت المسيح مدى عمق محبته كما يقول بولس الرسول: “ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا” (رومية 8:5).. ومبارك الإنسان الذي يستجيب لمحبة الله التي ظهرت في الصليب، ويؤمن بالمسيح مخلصاً شخصياً له.

الطريق الوحيد لتسديد دين خطيتك هو موت المسيح البار على الصليب.. وعندما تقبله مخلصاً لنفسك ستردّد مع المرنم:

قد قضى ديني    كله الحمل

حينما مات لذا    قال قد كمل

 

3-   في الصليب الكفاية لإعلان بر الله

لقد كان موت المسيح على الصليب بالدرجة الأولى لإعلان بر الله.

إن الله يهمه أن يعرّف الإنسان إنه “بار”، وإن إعلانه عن بره اقتضى في تدبيره الأزلي أن يموت المسيح ليكفّر عن خطايا المؤمنين التائبين.

ويكفي هنا أن نسجل ما كتبه بولس الرسول بالروح القدس:

“وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء. برّ الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون. لأنه لا فرق. إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدّمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله لإظهار بره في الزمان الحاضر ليكون باراً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع” (رومية 21:3-26).

فلكي يعلن الله أنه “البار” و”المبرر” كان لا بد أن يموت المسيح على الصليب.

إن حقيقة صلب المسيح حقيقة لا تقبل الجدل، لأن أنبياء العهد القديم تنبأوا قبل صلب المسيح بمئات السنين، بأن المسيح سيموت مصلوباً، وأظهروا سبب هذا العمل الفدائي الذي يفوق العقول.. فتنبأ داود النبي عن موت المسيح مصلوباً بكلماته: “ثقبوا يديَّ ورجليَّ” (مزمور 16:22) ، وتنبأ إشعياء النبي عن سبب هذا الصلب فقال: “وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا… كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا” (إشعياء 5:53و6).

قال تشارلس هادون سبرجن الملقّب بأمير الواعظين الإنجليز:

“خذ صليب المسيح من المسيحية، وأنت تقضي قضاء مبرماً على دين المسيح. إن الكفارة بدم المسيح المصلوب ليست تعليماً جانبياً من تعاليم المسيحية.. فإذا أنكرت حقيقة صلب المسيح طعنت المسيحية في قلبها وقضيت عليها”.

لا تشكّ في حقيقة صلب المسيح، ولا تصدّق الذين يقولون “ما قتلوه وما صلبوه”، واقبل المسيح الذي أحبك ومات مصلوباً لأجلك.. لأن هذا هو طريقك الوحيد لنوال الغفران والحياة الأبدية.