قضية الصليب – القس لبيب ميخائيل
تحميل الكتاب
يشعر المؤمن الحقيقي كلما اقترب إلى الصليب بإحساس عجيب! أهو إحساس الدهشة الحائرة أمام عظمة الحب الإلهي الذي تجسد في صورة بشر؟ أم هو إحساس الراحة الغامرة أمام اتساع رحمة الله التي احتضنت العالم الأثيم؟ أم هو إحساس المحبة المعبرة لشخصية المصلوب الكريم؟
في يقيني أنه جميع هذه الأحاسيس ممتزجة في إحساس واحد، ذلك الإحساس الذي طغى على مشاعر بولس رسول الجهاد، وهو يتأمل في أمجاد الصليب حتى دفعه أن يهتف مردداً «وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ ٱلْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غلاطية ٦: ١٤). فهل كان بولس محقاً عندما افتخر بالصليب؟ أم كان منجرفاً مع تيار خرافات مصنعة؟
إن الصليب هو قوة الله وحكمة الله في نظر المسيحي، وهو عثرة ضخمة أمام عيني اليهودي، وهو جهالة كبرى أمام عقلية اليوناني!!
فعلى أي أساس يفتخر المسيحي بالصليب؟ أهو مجرد تعصب لدين آبائه وأجداده؟ أم أن قصة الصليب قد أخذت قدسية بالتكرار فصارت جزءاً من كيانه، وموضوعاً لتعبده وفخره؟ أم أن المنطق الصحيح هو أساس افتخار المسيحي بصليب المسيح؟
إن الصفحات التالية من هذا الكتاب تريك في أسلوب واضح، الأساس المنطقي الذي يبني عليه المسيحي افتخاره بالصليب، وتعلن لك في جلاء ضرورة الصليب وكفايته لخلاص البشر، وتؤكد لك على أساس من التفكير السليم أن الصليب هو مفتاح قلب الله، ومفتاح قلب الإنسان، ومفتاح أسرار الحياة!!
وغرض الكاتب من كتابة هذا الكتاب هو أن يقودك لترى بنفسك جلال الصليب المجيد، وتكتشف بعقلك بعض الكنوز المذخرة فيه، وتؤمن بقلبك بشخص المسيح المصلوب.
وستدرك بالدليل الأكيد أن الصليب لم ينقص من قدر السيد المسيح، بل على العكس كان هو السلم الذي ارتقى به إلى أعلى ذرى المجد، والصولجان الذي أمسكه بيده ليقود به جماهير الشعوب، والتاج الذي توجه بآيات الحب، والقوة التي جذب بها الخاطئ المسكين المحتاج إلى العطف والحنان والغفران.
فإن رأيت كل هذه الحقائق تغمر قلبك، وتضيء أرجاء نفسك وترفعك من وهدة اليأس إلى آفاق الرجاء وأنت تقرأ هذا الكتاب، فاذكر أن السر كله يكمن في قوة الصليب، وردد مع المرنم الجليل لحنه الجميل:
حين أرى صليب من قضى فحاز الانتصار
ربحي أرى خسارة وكل مجد الكون عار
يا رب لا تسمح بأن أفخر إلا بالصليب
مكرساً نفسي وما أملك للفادي الحبيب
وقدّم لفاديك كل المجد وكل الحمد.
شبرا مصر ٢٩ أغسطس ١٩٥٦
القس لبيب ميخائيل